النظام الصحي العالمي أصبح أحوج ما يكون إلى مراجعة شاملة بعد ان ظهر ضعفه وانكشفت قلة حيلته مع ظهور مرض أنفلوانزا الطيور وتصدره قائمة أكثر المشاكل الصحية تهديدا للبشر في شتى بقاع الأرض· فقد نجح هذا المرض في توحيد العالم في مشاعر الفزع والترقب وفشل في توحيده في المواجهة·
هذه الحقيقة كانت وراء الدعوة للاجتماع المقرر عقده اليوم في جنيف بمشاركة المئات من خبراء الصحة في العالم لمحاولة وضع خطة عالمية لمكافحة أنفلوانزا الطيور ومنع سلالات الفيروس من التحور مسببة وباء يمكن أن يحصد أرواح حوالي 30 إلى 150 مليونا من البشر وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، ووضع ما اصطلح على تسميته ''الستار الدفاعي العالمي'' ضد أنفلوانزا الطيور، وهو ما يثير علامة استفهام حائرة: لماذا الآن وليس قبل ذلك؟·
المعروف أن مرض أنفلوانزا الطيور قديم جدا وكان يطلق عليه في الماضي وصف ''طاعون الطيور'' ولكنه كان مرضا خاصا جدا بالطيور الداجنة ولا يصيب البشر مهما كانت درجة مخالطتهم لها· ولكن مع حلول العام 1997 بدأ هذا المرض يأخذ بعدا جديدا عندما انتقل لأول مرة من الطيور إلى الإنسان·· واكتشف العلماء في ذلك الوقت أن الفيروس تحور بالشكل الذي يمكنه من إصابة البشر، وعلى الرغم من تصاعد الأحداث بشكل درامي في العديد من دول آسيا، وتسببه في قتل 63 شخصا في 4 دول آسيوية وإعدام حوالي 150 مليون طائر·· ظل الاهتمام محدودا بالمرض·· فلماذا التفكير الآن وبعد كل هذا التأخير في إنشاء الستار الدفاعي العالمي·· رغم أن كل المقدمات كانت تؤكد أن الخطر قادم لا محالة وأنه في مرحلة من مراحله لن يصبح شأنا خاصا بعدد محدود من الدول الآسيوية بل هاجسا عالميا مخيفا؟·
الإجابة على هذا السؤال تكتسب أهمية فائقة لأنها ستحدد بالضرورة مواطن الخلل وأسباب غياب آلية دولية فعالة للتعامل مع هذه النوعية من المخاطر الصحية أيا كانت نقطة انطلاقها وبؤرة ظهورها الأولى·· وهو الغياب الذي لا يتسق مع حقيقة القرية الكونية الواحدة التي أصبحت من حقائق العصر الذي نعيشه، وهو كذلك الغياب الذي أكدته أحداث كثيرة أثبتت أن ردود أفعال المنظومة الصحية العالمية بطيئة جدا وتأتي متأخرة غالبا وغير فعالة بالقدر الكافي· الحقيقة المؤكدة هي أن ثورة المواصلات أو وسائل الانتقال ساهمت في عولمة المرض·· ولم تعد هناك دولة على سطح الأرض بمنأى عن هذا النوع من المخاطر الصحية·· وهي الحقيقة التي لا تجسدها المنظومة الصحية العالمية حتى الآن بشكل عملي، وتؤكد مجددا الحاجة إلى مراجعة شاملة لها·