غني عن القول إن البحث العلمي يلعب دورا مهما في العملية التنموية في العالم أجمع، بحيث أصبح تقسيم العالم إلى دول متطوّرة ونامية يعتمد بالأساس على تطوّر البحث العلمي والتقنية، حيث بدأت العديد من الحكومات تربط سياستها التكنولوجية بسياستها الصناعية، وتدمجها بسياساتها وأهدافها الوطنية· وإذا كان المتوسط العالمي للإنفاق على البحث والتطوير في العالم قد بلغ نحو 2,5% من الناتج العالمي، فإن ما تنفقه دولة الإمارات على البحث والتطوير لا يتجاوز 0,4% من ناتجها القومي، بل إن هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية ''تنمية'' تؤكد في بعض تقاريرها أن متوسط ما تنفقه الإمارات سنويا على الفرد في مجال البحث والتطوير لا يتجاوز 2,64 دولار فقط، بينما يقل معدل عدد الباحثين عن 5 باحثين لكل 100 ألف فرد، كما يقل عدد الكوادر المساعدة لأعمال البحث والتطوير عن 9 أفراد لكل 100 ألف· وفي الوقت نفسه فإن ما يؤخذ على دولة الإمارات في هذا الشأن ليس ضعف الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير فحسب بل غياب التعاون والتنسيق بين مراكز البحوث والتقنية المحلية أيضاً·
ومع التقدير الكبير لما سجلته دولة الإمارات من تطور ملحوظ في مجالات التنمية الاقتصادية والصناعية، حتى بات عدد المنشآت الصناعية في الدولة يزيد على ثلاثة آلاف منشأة يتجاوز حجم الاستثمار فيها 100 مليار درهم، وتستخدم أحدث التقنيات الصناعية وتطرح منتجات عالية الجودة، إلا أن دولة الإمارات لا تزال تعتمد على استيراد الخدمات التكنولوجية، في ظلّ غياب تصوّر واضح لأهمية البحث والتطوير كجزء من البنية التكنولوجية والعلمية اللازمة للتنمية الصناعية، وعدم وجود تنسيق بين الجامعات والمعاهد والفعاليات الصناعية، والأهم من ذلك غياب التشريعات المنظّمة والمحفّزة للبحث والتطوير في الدولة، رغم ما يلعبه البحث العلمي من دور محوري في خدمة التنمية الصناعية والاقتصادية·
إن قرار اللجنة العليا للإشراف على قطاع الاتصالات، مؤخرا، بتأسيس صندوق لتطوير القطاع ودعم البحث العلمي، يشكّل بادرة نوعية يمكن توسيعها وتنويعها لتشمل القطاعات الاقتصادية جميعها، حيث يتوقع أن يدخل الصندوق في شراكات مع الجامعات والكليات ومؤسسات البحث العلمي المحلية بهدف تمويل البحوث الأكاديمية المهتمّة بتطوير قطاع الاتصالات ونظم المعلومات، إلى جانب رعاية المؤتمرات والفعاليات التي تولي اهتماماً بهذا القطاع وكذلك التعاون مع مؤسسات القطاع الخاص العاملة في مجال الاتصالات· ورغم أن هذا الصندوق مخصّص لدعم البحث العلمي والتطوير في قطاع الاتصالات وحده، فإن هذه الخطوة يجب توسيعها وتنويعها لتشمل هذه القطاعات جميعها، من خلال استراتيجية شاملة تعمل على إيجاد البيئة المناسبة للبحث والتطوير، ومن ذلك التشريعات المنظمة للبحوث والحوافز للاستفادة منها، وتطوير مؤسسات البحث العلمي لجعلها حضانة حقيقية للمواهب العلمية، وإيجاد تعاون وثيق ما بين القطاعين الحكومي والخاص، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وإنشاء المزيد من مراكز البحوث، ودعم القائم منها، وتسويق مخرجاتها من نتائج البحث حتى تجد طريقها إلى التنفيذ العلمي·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae