تنطوي دعوة الحكومة العراقية للضباط السابقين في الجيش العراقي المنحل للانضمام مجددا الى الخدمة العسكرية والقوات المسلحة الوطنية على أهمية قصوى، خاصة في هذه المرحلة من الأزمة العراقية·
لقد أعربت الكثير من الأطراف، عربية وغير عربية، عن موقف رافض لفكرة حل الجيش العراقي وتسريح عناصره بالصورة التي أقدم عليها الحاكم الاميركي السابق بول بريمر في أعقاب سقوط نظام صدام حسين·
إذ ترتب على ذلك الدفع بعشرات الآلاف من خيرة أبناء العراق إلى هوة البطالة السحيقة، وحرمانهم من فرصة الكسب الشريف، فتحولت قوة عاملة خبيرة بجرة قلم إلى وقود لنيران فتنة وأزمة ناشبة تأكل الآن الأخضر واليابس على ضفاف دجلة والفرات·
لكن، دعوة وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي لضباط الجيش المنحل للعودة إلى الجيش الجديد تعد مهمة جدا من زاوية أخرى أيضا·
لقد كان الجيش العراقي رغم كل ما قيل يمثل في نهاية المطاف المؤسسة الأبرز التي تتجسد فيها وحدة العراقيين وتماسكهم· بل إنه كان العنوان الأبرز على فكرة الدولة الواحدة ·· بمعنى أن المؤسسة العسكرية كانت على نحو ما بوتقة ينصهر فيها الشعب العراقي على اختلاف طوائفه· فقد كانت حقا مؤسسة عابرة للمذاهب·
الخطوة الجديدة تعكس أيضا رغبة في مصالحة مع قطاع مهم من المجتمع العراقي لعب ومازال يلعب دورا مهما في تطورات الأحداث شاء البعض أم أبى·
بل قد يبدو القرار كما لو كان بمثابة شروع في فتح صفحة جديدة واستهلال طريق قد يفضي في نهايته إلى مداواة بعض الجراح المفتوحة الآن وذلك من أجل حاضر ومستقبل العراق·
ومع أن القرار استثنى أصحاب الرتب العليا من العودة إلا أنه يبقى صالحا للبناء عليه بحيث يتحول إلى نواة لمشروع مصالحة حقيقية مع مختلف الفئات المتضررة في أوساط الشعب العراقي·
واعتماد هذا المنهج في محاولة حل المشكلة العراقية يمكن أن يفضي حقا إلى إطفاء جانب كبير من الحرائق المشتعلة الآن في العراق· لأنه باستقطاب الكفاءات والخبرات العراقية ودمجها في إطار مؤسسات قومية من نوع الجيش سيؤدي إلى حشد صفوف المجتمع وتعزيز دعائمه وتقوية لحمته في مواجهة أخطر فيروس يواجه العراق الآن مع الإرهاب·· وهو الطائفية· بالتالي فإن خطوات من هذا النوع يمكن اعتبارها أقصر الطرق للنجاة من الحرب الأهلية ·· هذا المصير المروع الذي يريد البعض أن يسقط فيه العراق·