باختتام بعثتها الفضائية الأخيرة إلى القمر، وبالتحديد يوم الاثنين 17 أكتوبر المنصرم، تكون الصين قد أكدت مكانتها وعضويتها في أكثر أندية العالم حصرية وخصوصية، حيث لا تتعدى عضوية هذا النادي ثلاث دول، وبهذه الخطوة استطاعت بكين أن تبتعث رواد فضاء إلى القمر على نفقتها الخاصة· وعلى رغم مرور ما يزيد على أربعة عقود من إنجاز الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق لرحلاتهما الفضائية البشرية لا تزال الصين تحتفظ لنفسها بهذه العضوية النادرة بعد إنجازها رحلتها الثانية المأهولة · لكن هناك من يرى أن الإنجاز الصيني الذي تحقق أخيراً يؤكد إبداء العزم والنوايا والسعي وراء الامتياز الدولي أقرب من كونه تعبيراً عن تفوق تكنولوجي فعلي· وضمن هذا الإطار يرى البعض أن الإنجاز الصيني الفضائي هذا، هو رسالة صريحة إلى كافة الدول الآسيوية المجاورة تتمحور حول عزم الصين الحفاظ على مركز التفوق والهيمنة الإقليمية، فيما يتكهن المحللون والمراقبون الدوليون بأنه سيكون ''القرن الآسيوي''، على حد قولهم·
وللمزيد من إيضاح هذه الرسالة، قال دين شينج - كبير المحللين الآسيويين بشركة سي· إن· إيه- وهي من كبريات مؤسسات البحث العلمي في ولاية فرجينيا- ''إن هناك سؤالاً ضمنياً عن الدولة التي ستتولى زمام القيادة في القارة الآسيوية في القرن الحالي؟ والإجابة، كما يُفهم من السياق، أن اليابان لن تكون تلك الدولة بأي حال من الأحوال''· وبالمقارنة فإنه لا طوكيو ولا نيودلهي قد خطت أي منهما باتجاه وضع الرحلات الفضائية في مقدمة أولوياتها· ولذلك لم تبادر أي منهما إلى إرسال طاقم بشري إلى الفضاء على نفقتها· ووفقاً لتقرير نُشر حديثاً حول البرنامج الفضائي الياباني، فقد عانى هذا الأخير سلسلة من الإخفاقات والمصاعب خلال العقد الأخير، علاوة على المستقبل المزعزع الذي ينتظره· أما الهند، فإن لها وكالة ناشطة نشاطاً محدوداً وضيق النطاق في مجال أبحاث الفضاء، كما أن لها القدرة على إطلاق عدد من الأقمار الصناعية الكبيرة في الفضاء، إلى جانب الإعلان عن اعتزامها إطلاق مركبة فضائية غير مأهولة إلى القمر بحلول عام ·2007
إلى ذلك فقد نُظر إلى هذه الرحلة الفضائية الأخيرة التي نظمتها الصين في بعثة استغرقت خمسة أيام على أنها إنجاز علمي تكنولوجي كبير، بذله الحزب الشيوعي الحاكم من أجل إعلاء شعور الصينيين باعتزازهم القومي الوطني، بقدر ما فيه من قطع وإخراس لكافة ألسنة النقد التي تتحدث عن الفساد، وعن الهوة العميقة التي تفصل ما بين الغالبية الصينية الفقيرة والنخبة السياسية المتخمة بفوائد وعائدات النمو العملاق الذي شهده الاقتصاد الصيني· ومن مظاهر الترويج الإعلامي الذي حظيت به البعثة الفضائية الصينية الأخيرة، ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية الحكومية يوم الأحد الموافق 16 أكتوبر الماضي، عن أن الرواد حيوا من أعالي الفضاء جميع المواطنين الصينيين، بمن فيهم أهل هونج كونج وماكاو وتايوان· كما نقلت الوكالة نفسها أنباء عن أن رائدي الفضاء اللذين كانا على متن المركبة الصينية- وهما ضابطان في جيش التحرير الشعبي الصيني- قد تمكنا من تسجيل ملاحظات حول التلوث في مياه المحيط وفي الهواء، إلى جانب تسجيل ملاحظات حول التلوث النباتي، وإجراء تجارب علمية لم تشر إلى ماهيتها المحددة التقارير الإخبارية المبثوثة· غير أن هناك من الأدلة والشواهد ما يشير إلى تراجع حماس الصينيين منذ ابتعاث بلادهم ''ليانج ليو'' إلى الفضاء في رحلة استغرقت 21 ساعة قبل عامين·
يذكر أن الأهداف بعيدة المدى للأبحاث والدراسات الفضائية الصينية ترمي إلى إرسال طاقم بشري أكبر إلى الفضاء بحلول عام ،2010 إلى جانب بناء محطة فضائية شبيهة بمحطة ''مير'' الروسية· ولكن هناك بعض المراقبين والمحللين المختصين بالشؤون الصينية منْ يؤكد أن الصين ستصل بطاقمها البشري إلى الفضاء، قبل وقت مبكر بكثير مما تعلنه بكين رسمياً· من هؤلاء أكد جون بايك- مدير منظمة الأمن العالمي بولاية فرجينيا- أنه لا يشك مطلقاً في أن الصين تعتزم سراً استباق الولايات المتحدة في الوصول المبكر بطاقمها البشري مرة أخرى إلى الفضاء· وجاء على لسان بايك قوله ''إن كنت أنا شخصياً أتولى إدارة البرنامج الفضائي الصيني، فذلك هو عين ما سأخطط له وأفعله''· وفي الوقت ذاته لاحظ المتحدث أن صواريخ ''لونج مارش'' الصينية قادرة على حمل كبسولة من السعة بما يكفي لحمل البشر والانطلاق بهم في رحلات فضائية إلى مدارالقمر·
إلى ذلك قال الدكتور شينج إن السؤال الذي لا تقدم بكين أي إجابة عليه، أو تتكتم عليه، هو: ما الذي يرمي علماء الفضاء الصينيون إلى تحقيقه من خلال أبحاثهم وبعثاتهم الفضائية هذه؟ ولعل لهذا السؤال علاقة بما أثار قلق وزارة الدفاع الأميركية عبر تقريرها الأخير حول البرنامج الفضائي الصيني· وفي تقدير ''البنتاغون'' أن الدوافع العسكرية والاستراتيجية تعد بين أهم العوامل التي تفسر الجهود التي تبذلها بكين، بل من المرجح أن تكون أهم دافع محرك لكل تلك الاستث