إذا كان الفكر هو الموجّه لحركة المجتمع، فإن التعليم هو الأساس الأول لرقيّ هذا الفكر وتطوّره، فبقدر تطوّر التعليم وتقدّمه في المجالات جميعاً، يرتقي الفكر ويستقيم أمره ويقوم بدوره على النحو الذي يؤثّر التأثير العميق في البناء الحضاري والنماء الاقتصادي والحراك الاجتماعي· ولا يشذُّ واقع التعليم في دولة الإمارات عن هذه القاعدة· إلا أن المتأمّل في حال التعليم في الإمارات بصفة عامة، يلحظ أنه يعاني خللا متعدد الوجوه، نتيجته الحتمية، أن هناك مشكلة ''جودة''، ومخرجات لا تواكب متطلبات سوق العمل سريعة التغير، ولا إيقاع التطورات العالمية المتسارعة في مختلف أنماط ومجالات الحياة· كل هذا يعود بدرجة كبيرة إلى محدودية الميزانية التي تخصّصها الدولة للتعليم، والتي لا تتناسب بحال مع مقتضيات التطوير أو متطلّبات النهوض بالعملية التعليمية، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة· ورغم الاهتمام الرسمي الواضح بالتعليم وخطط التطوير المعلنة، فإن هذه التوجّهات السليمة لم تترجم إلى واقع، في ظلّ ميزانيات ضئيلة مخصّصة للتعليم·
عند النظر إلى متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على التعليم وبناء على الأرقام الواردة في التقارير العالمية الرسمية نجد أن الدولة لا تزال دون المستويات المطلوبة في هذا الشأن، حيث إن ما تنفقه لا يتجاوز 1,4% من الناتج المحلي الإجمالي، حاليا، مقارنة بأكثر من 1,9% عام ،1990 ما يعني تراجع الإنفاق على التعليم بأكثر من 25% خلال هذه الفترة، بينما تضاعف عدد الطلاب ودور العلم خلالها· ففي تقرير أعدّه البنك الدولي حول تطوير التعليم في دولة الإمارات عام ،2000 قدّرت تكلفة التطوير بنحو 328 مليار درهم حتى عام ،2020 بمتوسط 16,5 مليار درهم سنوياً، وهو ما يعادل نحو 5,6% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وهي نسبة معقولة، إذا علمنا أن 35 دولة من بين الدول التي تحتل صدارة الترتيب في تقرير التنمية البشرية العالمية، تزيد نسبة إنفاقها على التعليم على 5% من ناتجها المحلي الإجمالي·
بالطبع فإن مشكلة التعليم لا يمكن حصرها في الجانب المادي فقط، غير أن طموحات الدولة في التحوّل إلى تفعيل استخدام التقنيات الحديثة في مجالات الحياة كافة، ستظلّ مجرد اجتهادات نظرية، ما لم ترصد لتحقيقها الميزانيات اللازمة· وفي هذا العصر الذي ينمو فيه اتجاه يرسّخ مفهوما قائما على أن رأس المال الفكري هو أهم مقوّمات نجاح الأمم، ما يؤكد الحاجة إلى الفرد الذي يمتلك المهارات والمعارف التي يستطيع من خلالها أن يحرّك ويوجّه ويقود الأفراد نحو تحقيق الأهداف المرجوة، تبرز الحاجة إلى أن تتحدد خطط التعليم مع خطط التنمية، وأن ترصد الميزانيات اللازمة لهذا التزاوج· وفي إطار التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في الميادين كافة، ليس أمام دولة الإمارات إلا التسلّح بالعلم والمعرفة وامتلاك ناصية التكنولوجيا وتجسيد ذلك في مجموعة من البرامج والمشاريع، كل هذا يتم من خلال تنمية العنصر البشري باعتباره الأداة والهدف من التنمية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae