البشر يختلفون بأصولهم العرقية، إلا أن اختلافهم لا يعني تفوق عرق على آخر· وبالرغم من هذه البديهية، إلا أن التاريخ الإنساني شهد كثيراً من الصراع العرقي، والأكيد أنه ما زال حياً في العالم· بعضهم اعتقد أن الأصل البيولوجي يلعب دوراً في تحديد ذكاء الإنسان ومكانته الاجتماعية، إلا أن الدراسات النفسية والاجتماعية أكدت أنه ليس للعامل البيولوجي أي دور في تحديد مواقف الإنسان تجاه الآخرين، وأن التعصب للعرق ما هو إلا نتيجة للبيئة الاجتماعية التي يختبرها الإنسان· وهناك مثال في القرن العشرين للحركة النازية في ألمانيا، وهي حركة عنصرية دعت للتعصب للعرق، نتج عنها مقتل أكثر من 6 ملايين نسمة من غير الآريين·
في الستينيات من القرن المنصرم أصبح اصطلاح التمييز العنصري إحدى أهم القضايا التي بدأ العالم يناهضها· ومع تعاظم حركة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة على يد مارتن لوثر كنج، الذي قاد معارك ضارية ضد الممارسات العنصرية في أميركا أصبحت قضية التمييز العنصري جريمة يعاقب عليها القانون في الولايات المتحدة· ونتيجة لتصاعد وتيرة الدفاع عن قضايا التمييز العنصري فرضت الكثير من القيود على الدول التي تمارس التعصب والتمييز العنصري كما حدث في جنوب أفريقيا· وربما كان القائد مانديلا الذي أفرج عنه في عام ،1990 بعد قضاء 30 عاما في السجن، نتيجة لمناهضته سياسة الأقلية البيضاء العنصرية، هو أكبر تأكيد على أن التعصب والتمييز العنصريين من أهم القضايا التي قد تهدد البشرية كونهما قد يقودان إلى صراع دموي·
ولكن على الرغم من أن القوانين في كثير من بلاد العالم المتحضر تحارب التمييز العنصري، فإن الممارسات العنصرية لا زالت ماثلة في بعض الدول حتى التي تنبذها رسميا·
حديثي حول الممارسات العنصرية جاء نتيجة لتجربة شخصية أعيشها في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية أريزونا· فقد تقدم المحامي الذي يدافع عن قضية ابنتي بحادث دهس، بطلب إلى المحكمة بإعادة النظر بالإجراءات القانونية التي اتخذت ضدها· وكان من ضمنها عدم مغادرتها الولاية حيث تدرس· وحيث أنها أنهت دراستها بتقدير ،3,66 فقد حصلت على قبول لدراسة الماجستير في مدينة واشنطن· وأكد لي المحامي أن الأمر بسيط لا يخرج عن كونه إجراء قانونيا روتينيا، لأن الشواهد والسوابق القضائية في الولاية سمحت حتى لمن ارتكب جرائم كبيرة أن يغادر الولاية وحتى إلى بلاده على أن يتعهد بالحضور في التاريخ المحدد للمحاكمة·
وحين ترافع المحامي أمام القاضي طالب المدعي العام بمزيد من القيود لأن ابنتي، وإن كانت مواطنة أميركية فإن لديها روابط أسرية في بلدها الأصلي، الكويت· وعلى ضوء ذلك عرض المحامي مجموعة أسماء لمتهمين بجرائم خطيرة لا تقارن من حيث جديتها بقضية ابنتي سمحت المحكمة لهم بمغادرة الولاية· وتساءل المحامي أمام القاضي عن التشدد غير المفهوم في قضية ابنتي· واضطر المحامي أن يعلن للمحكمة أن سير القضية يشوبه تمييز عنصري واضح، بعد مشادة كلامية بينه وبين المدعي العام الذي عجز عن التبرير المنطقي·
الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام المحلية تحرص على تغطية الموضوع من كافة جوانبه المختلفة وتشبعه مغالاة في الطرح، إلا أنها رغم ذلك لم تعر ما حدث في المحكمة أي اهتمام ولم تبث اتهامات المحامي للمحكمة بممارسة التمييز العنصري التي يقوم بها المدعي العام تجاه ابنتي·
هل محاربة التمييز والعنصرية شعارات فقط حتى في أكثر الدول ديمقراطية، أم أنها حالة شاذة؟ هذا ما يثير الاستغراب!