عادت قضية التلاعب بصلاحية المواد الغذائية إلى السطح مرة أخرى، بعد أن ألقت السلطات الأمنية، مؤخرا، القبض على صاحب أكبر شركة مواد غذائية في الدولة وهو يبيع هذه المواد بعد التلاعب بتاريخ صلاحيتها· هذه الحالة تضاف إلى حالات عديدة مشابهة ولشركات غذائية كبرى ضبطت في مواقع مختلفة داخل الدولة تقوم بتزوير صلاحية منتجاتها، ومنها ضبط إحدى أكبر شركات توزيع المواد الغذائية المعلّبة وهي تعمل على تغيير تاريخ صلاحية تلك المواد، وطرحها في الأسواق المحلية للاستهلاك الآدمي·
إن هذه المخالفات والتجاوزات المتكرّرة، إلى جانب خطورتها في عدم التزام هذه الشركات العاملة في المواد الغذائية بالقوانين المنظّمة للسوق في الدولة، فإنها تمثل تهديدا كبيرا على صحة المستهلك، كما أن من مظاهر تلك الخطورة، وربما الأخطر في الأمر، دخول شركات كبيرة بعد أن كان الأمر مقتصرا على البقالات والمحلات التجارية الصغيرة المنتشرة في الأحياء السكنية· فالشركتان اللتان ضبط موظفوهما يقومون بتغيير تواريخ المواد الغذائية هما من أكبر منتجي وموزّعي المواد الغذائية بالدولة، بل إن تاريخ السجل التجاري لواحدة منهما يصل إلى ثلاثين عاما، ما يجعل من أمر التلاعب بالمواد الغذائية، لباقي الشركات الجديدة والصغيرة، موضع تساؤل من قبل المستهلك، حول من الذي يمكن أن يحميه من هذه التجاوزات؟ وكيف يمكن له أن يطمئن على صحته؟
إن استفحال هذه المشكلة يجعل المستهلك يعيش حالة من الخوف والرعب على صحته، ما يدفعه إلى المطالبة بتشديد الإجراءات التفتيشية والرقابية على المحلات التجارية في الدولة، وعلى المخازن التي يتم فيها تخزين هذه المواد وكذلك الشاحنات التي تقوم بتوزيع تلك المواد، والأهم من ذلك الموانئ والمنافذ· فالغش التجاري، خاصة في المواد الغذائية بات أكثر انتشارا من أي وقت مضى· وربما السبب في ذلك عائد إلى سياسة السوق المفتوحة، التي تسمح لكل تاجر بإدخال سلعته، في ظل تراجع دور جمعية حماية المستهلك بالدولة وعدم قدرتها على تطبيق عقوبات على التجار المخالفين، كما أن البلديات، وبما تعانيه من نقص في المختبرات المؤهّلة والكوادر المتخصّصة، تقف عاجزة عن الكشف عن معظم حالات التلاعب في صلاحية المواد الغذائية، والقيام بدراسات وأبحاث حول فترات صلاحية المواد الغذائية تحت الظروف البيئية للدولة، والكشف عن الأغذية المعدّلة وراثيا ومواد التغليف والملوثات الأخرى ذات الخطورة على صحة الإنسان والبيئة، والحدّ من ظاهرة الغشّ في السلع الغذائية، وتشجيع التطوّر المنظّم للصناعات الغذائية الوطنية، ورفع مستوى جودة منتجاتها من خلال مطابقتها للقوانين والمواصفات الغذائية، ووقاية المستهلك وحمايته من التعرّض للأغذية غير المباحة شرعاً وقانوناً، وتعزيز ثقة المستهلك في السلع المعروضة في الأسواق، وتدريب وتطوير العاملين في مجال الأغذية على إجراءات ومتطلّبات تنفيذ اتفاقيات التجارة الدولية والعمل على إنشاء وحدات متخصّصة بالتثقيف والتوعية الغذائية والبيئية وتوجيه المختصين فيها للتعاون مع أجهزة الإعلام وتزويدها بالحقائق العلمية الصحيحة التي تمكّن المستهلك عند نشرها من ممارسة حقه في الاختيار·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae