بحسابات المكسب والخسارة، وبقراءة المقدمات والنتائج، تكون إسرائيل هي المستفيد الأول من عمليات القصف العشوائي غير المؤثر بصواريخ بدائية قد لا يتجاوز تأثيرها إصدار أصوات ''فرقعة'' مزعجة·· فيما الشعب الفلسطيني الذي يحلم بالدولة، وبالتخلص من وطأة المعاناة المستمرة من ممارسات الاحتلال المفرطة في القسوة، هو الخاسر الوحيد·
والسؤال الذي يفرض نفسه على كل متابع للمشهد السياسي الفلسطيني الآن هو: هل يعرف من يتحدون الشرعية ممثلة في السلطة الفلسطينية بكل أركانها·· رئيسا وحكومة ومجلسا تشريعيا·· هل يعرف من يطلقون قذائفهم الباهتة متحدين اتفاقات التهدئة التي أقرتها كل الفصائل، أنهم يقدمون للحكومة الإسرائيلية مبررات تحتاجها بشدة لإجهاض الحلم الفلسطيني؟
خلال الأيام القليلة الماضية تعرض قطاع غزة لغارات شرسة تجاوز عددها الثلاثين غارة خلال يومين، تعرض لقصف مدفعي ولحصار بالمدرعات ولسقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء الذين فرض عليهم الاحتلال أن يدفعوا فاتورة ما جناه غيرهم، فيما السلطة الفلسطينية عاجزة عن التحرك بقوة تجاه الحل العادل الذي يضمن للفلسطينيين حقوقهم ويحقق لهم حلم دولتهم المستقلة ويمهد لهم طريق المستقبل، بسبب تداعيات العمليات الفردية التي تنال من الشرعية وتهز صورة الشارع الفلسطيني من خلال ما توحي به من انقسام وتشتت· وبعد أن دفع الأبرياء البسطاء العزّل ثمن العمليات العشوائية غير المؤثرة خرجت حركة الجهاد الإسلامي التي نفذتها علينا أمس بتصريحات منسوبة إلى أحد قادتها يعلن فيها الاستعداد للتهدئة ووقف العمليات بشرط توقف الاحتلال عن ممارساته العدوانية· ومرة أخرى تقودنا هذه التصريحات إلى التأمل، فالمشهد يكاد يكون تكرارا حرفيا لمشاهد مماثلة·· عمليات عشوائية يختار منفذوها توقيتات متزامنة مع تحركات سياسية مبشرة، ثم ردود مفرطة في القوة والقسوة من قبل القوات الإسرائيلية، فحديث عن التهدئة المشروطة ووقف العمليات·
لقد سبق لجميع الفصائل الفلسطينية أن وافقت على التهدئة حتى تمنح السلطة الفرصة والقوة والقدرة على التفاوض والحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب للفلسطينيين، ولكنها لم تلتزم· وإذا كانت المقاومة حقا مشروعا لكل من يعاني من الاحتلال، فإنها تفقد مشروعيتها عندما تخرج على الإجماع وتتحدى السلطة الوطنية الرسمية وتضعها في مواجهة تحديات شديدة الصعوبة· والعمليات بهذا المعنى تخلق أجواء أزمة مستمرة تفرض نفسها على المفاوضين وتظهرهم أمام المجتمع الدولي في صورة العاجزين عن ضبط الأوضاع وتوحيد القرار الداخلي، وهو بالتأكيد ما لا يرضاه ولا يقبله كل من يحلم مع الفلسطينيين بالدولة المستقلة واستعادة الحقوق والحل العادل·· فهل يستيقظ من يسبحون ضد التيار قبل فوات الأوان؟