المشهد السياسي هذه الأيام في غاية القتامة، والجروح في الجسد العربي مفتوحة تنزف رغم الملح فوقها، لقد صرنا مثل الدولة العثمانية ''رجل أوروبا المريض''، إلا أنه رجل مريض أصبح ملطشة للكل· لك عزيزي القارئ أن تتخيل أربع ممرضات ليبيات ومعهن طبيب عربي قاموا بحقن 200 طفل في أدغال أفريقيا بفيروس ''الإيدز''! تسرب الخبر·· انقلب العالم رأساً على عقب·· الأمم المتحدة تستنفر قواها·· ومجلس الأمن يدين·· وكل المنظمات العالمية تستنكر· وخلال ساعة واحدة يتصدر الحدث نشرات الأخبار·· إذاً هذه جريمة دولة وليست جريمة 4 ممرضات؛ تصدر قرارات من الأمم المتحدة وتفوض العالم الحر بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على ليبيا، وطبعاً لا أحد في العالم كله يجرؤ على الدفاع عن هؤلاء الممرضات··
لنعد إلى الواقع ولنرَ أن ما قلناه آنفا لم يحدث في الواقع، بل نرى حقيقة أن العالم الحر يتدخل كله لدى ليبيا ويطالب بالإفراج عن الممرضات البلغاريات اللاتي قمن بحقن أكثر من 400 طفل ليبي بفيروس الإيدز، وهناك الآن ضغوط للإفراج والاعتذار للمرضات ولم يحاول أحد التصدي لهؤلاء·· ولم يحاول أحد أن يقول إن هؤلاء الممرضات هن عميلات لمخابرات دولة ما، ومن ثم يجب عقاب الدولة المذكورة وفرض عقوبات دولية ضدها! لا شيء·· لا شيء·· من ذلك، لأن المتضرر عربي ''غلبان''؛ لقد انقلبت المعايير وسكتت الألسن وتبجحت النفوس وكأن شيئا لم يحدث يستحق حتى التعليق·· تماماً مثلما نترك القاتل ونعاقب القتيل ونحقق وكأنه كان يستحق القتل·· أما القاتل فحر ولا أحد يوجه له لوما!
هذا هو المشهد الحزين الساخر·· والغريب، لكننا كـ''عرب'' لم نشاهد شيئاً، فلنصرخ مع عادل إمام في مسرحية شاهد ما ''شافش حاجة''·· ''دانا غلبان''!
د. مراد راغب حنا - أبوظبي