أحزاب سياسية كالسوس
أجاد وأفاد الدكتور وحيد عبد المجيد في مقاله ''أزمة المعارضة المصرية''، الخميس 27 أكتوبر، حينما شرح و''شرشح'' الخريطة الحزبية في مصر، مبرزا ما تعانيه من قصور وعيوب وضعف· والواقع أن الأحزاب المصرية، أو بالأحرى ما يعرف تحديدا باسم ''أحزاب المعارضة'' باتت عرضا لحالة غير صحية، مما يستوجب علاج الحياة السياسية المصرية منها؛ فهي أحزاب في أغلبها وهمية أو ورقية بلا قواعد انتخابية أو امتدادات شعبية، إضافة إلى أنها قدمت منذ وقت طويل ما بجعبتها ولم يعد لديها المزيد، وهي أكثر من ذلك، تعدت سن الشيخوخة وباتت متهالكة وتعاني خرفا بينا ولعلها مصابة بالزهايمر أيضا، فأكثر من نصف قياداتها كهول بات من المتعين إحالتهم إلى دور عامة لرعاية المسنين، رغم أنهم جميعا ما فتئوا يتطلعون إلى التمديد تلو التمديد، أي ''النقيصة'' ذاتها التي يعيبونها على ''الحزب الوطني'' الحاكم!
ولعل أبشع العلل التي تصيب الحياة السياسية من جراء وجود أحزاب كهذه، هي الظاهرة الانقسامية التي تخترق جسمها من أولها إلى آخره؛ فكما نتذكر قل أن يمر موسم انتخابي أو مناسبة سياسية، دون أن تظهر إلى العلن انشقاقات ونزاعات وخصومات حادة داخل التكوينات الحزبية القائمة، وفي مرات عديدة يتحول أحد إلى ثلاثة أو أربعة أحزاب! ومع ذلك فإن هذه الأحزاب تضيع وقتا طويلا في نقاشات حول إقامة تحالف حزبي أو جبهة معارضة! ولعل الدكتور وحيد كان مصيبا تماما حينما أشار إلى أن أحزابا تعجز عن إدارة خلافاتها الداخلية بوسائل ديمقراطية متحضرة، هي أعجز من أن تشكل فيما بينها تحالفا حزبيا، سواء أكان لخوض الانتخابات أو لمعارضة الاستفتاء!
ورغم هذه الآفات التي تضعف الحياة السياسية المصرية وتصيبها كالسوس، فإن أحزابنا مصرة على أن تعد بما لا تقدر على تنفيذه، وعلى أن تتحدث عن غياب الممارسة الديمقراطية في البلاد بينما لا تمارس أي شيء من ذلك القبيل داخل هيئاتها، وعلى التلويح بمبدأ التداول على السلطة في حين أن قيادييها باقون في مواقعهم منذ زمن طويل ولا يقبلون تداولها مع أي شخص آخر، لا من خارج الحزب ولا من داخله أيضا!
نعمان السيد- القاهرة