تتداول الأوساط الاقتصادية والتجارية والمالية الغربية الأنباء حول العرض الذي تقدمت به أكبر شركة تنقيب صينية للنفط في أعالي البحار المعروفة اختصاراً بـ''كنوك'' لشراء مجموعة النفط الأميركية العملاقة يونوكال بمبلغ وقدره 18,5 مليار دولار أميركي، منافسة بذلك العرض الذي تقدمت به شركة شيفرون الأميركية لشراء نفس المجموعة بمبلغ قدره 16,6 مليار دولار· والمغري في هذا الشأن بالنسبة لأصحاب مجموعة يونوكال هو أن العرض الصيني أكبر حجماً وأنه سيتم دفع المبلغ نقداً، في الوقت الذي يتكون فيه عرض شيفرون من سلة مدفوعات تحتوي جانباً نقدياً وآخر مكوناً من أسهم وسندات وأصول أخرى، الأمر الذي دفع بأصحاب يونوكال إلى إعادة النظر في اتفاقهم المبدئي الذي عقد مع شيفرون في الرابع من أبريل ·2005
وما يهمنا في هذا المقام هو الإشارة إلى أن هذا العرض الصيني المغري لشراء المجموعة الأميركية، يعكس دلالات واضحة على الانتعاش المتنامي للاقتصاد الصيني الذي يتسبب في تزايد عطش الصين إلى النفط، وبأن التقدم الصناعي الصيني يقفز بخطوات واسعة فاقت جميع التكهنات· إن هذه الصفقة الصينية لشراء يونوكال تأتي كجزء مما أصبح يعرف لدى الصينيين بسياسة الطاقة الجديدة، وضمن هذه السياسة قامت الصين بعقد صفقات نفطية ضخمة تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات في شتى مناطق العالم شملت أستراليا والسودان وإيران وكازاخستان وفنزويلا وكندا، والآن جاء دور الولايات المتحدة·
إن العرض الصيني قائم وأصحاب يونوكال جاهزون للتملص من عرض شيفرون والتفاوض على عرض كنوك، ولكن أميركياً لا يبدو أن الصفقة ستمر ببساطة، فهناك محاذير جدية حول كيف يمكن أن تتم المواءمة بين متطلبات السوق الحرة وبين العواطف السياسية· ويصدق هذا التساؤل بشكل خاص حين يكون الأمر متعلقاً بشركة صينية حكومية محضة تعمل في ظل أدنى قدر من الشفافية التي تعمل وفقاً لها المؤسسات الاقتصادية الغربية· وأكثر المحاذير قابلية للتحقق هو أنه لو سارت أمور الصفقة بين المؤسستين المعنيتين إلى نهاياتها بالطرق التي تفي بمتطلبات رغباتهما، فإن المشرع الأميركي، أي الكونجرس، قد يثير العراقيل لكي يمنع إتمام الصفقة، فبالإضافة إلى موضوع الشفافية ومتطلبات السوق الحرة، تساور الكونغرس قلاقل من المحاذير والتداعيات الأمنية التي قد تنتج عن الربط بين شركة نفطية أميركية ضخمة لها وزنها في رفد المخزون الاحتياطي النفطي الأميركي الذي يرتبط بالأمن القومي وبين مؤسسة نفطية تمتلكها بالكامل حكومة شيوعية تعد منافساً شرساً للولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي·
إن كنوك هي ثالث أكبر شركة طاقة صينية، ويعد العرض الذي تقدمت به لشراء يونوكال أضخم محاولة جرت حتى الآن من قبل شركة صينية للحصول على موطئ قدم اقتصادي لها خارج الحدود الصينية· ولو تمت الصفقة بالشكل الذي يرغب فيه الصينيون فإنها ستعطي الصين عائداً رئيسياً في مجال الطاقة في آسيا وسيزيد من احتياطيات كنوك النفطية بحوالى 80 في المئة· وسيشكل ذلك صمام أمان نفطي مهم للصين التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم·
وبالرغم من أنها تمكنت حتى الآن من حل بعض مشاكلها النفطية على المدى القصير، إلا أن التمدد الاقتصادي السريع الذي تشهده الصين يجعل من النفط مصدر قلق دائم لها على المدى البعيد· لذلك فهي تحاول أن تستكشف إمكانية الحصول على النفط من أي مصدر كان، ولو كان ذلك المصدر هو فم الأسد·
ومن جانب آخر تحاول الصين مغازلة الساسة الأميركيين عن طريق الإعلان بأن صفقة شراء يونوكال تعد بمثابة شراكة بين ''الأصدقاء''، وهو أمر ليس من شأنه أن يتسبب في أي ضرر للموارد النفطية الأميركية أو أي خسارة مالية للولايات المتحدة، وعن طريق القول إنها لن تقوم بتسريح أي جزء من عمالة المؤسسة بعد شرائها!