الأسوأ من الأخطاء، تكرارها ·· وأسوأ من تكرارها، الإصرار عليها· وهذه للأسف الشديد طريقة عقيمة في التفكير والأداء السياسي العربي تمارسها أنظمة حكم تبدو الآن في مهب الريح·· لا لشيء إلا لأنها لم تتعلم من أخطاء الآخرين·
لقد ارتكب صدام حسين أخطاء فاحشة ، وكان من بين أشدها فتكا وتدميرا، اختياره خوض المواجهة مع المجتمع الدولي إلى أقصى حد ممكن، دون حساب لأي عواقب أو تداعيات·
وكانت النتيجة بصرف النظر عن الملابسات وعن عدالة والدوافع الحقيقية للتحرك الدولي في هذا الملف، كانت قاتلة ومدمرة ورهيبة·
ولم يستأثر العراق وحده بكل الخسائر الفادحة، بل شاركه فيها كثير من الدول العربية والمنطقة بأسرها· والمدهش أن السيناريو ذاته يكاد يتكرر الآن بحذافيره التي يمكن إجمالها في الآتي ·· خطأ قاتل يرتكب بكل رعونة واستهتار تليه صدمة دولية، تعقبها موجة تنديد ثم تأتي مرحلة العقوبات عبر بوابة مجلس الأمن· وفي مرحلة لاحقة ينفتح باب الخيارات على مصراعيه، بما في ذلك طبعا تغيير النظام نفسه·
حدث ذلك مع صدام حسين الذي لم يدرك أننا نعيش عصرا جديدا بحسابات مختلفة في ظل تغير حقيقي ومذهل في موازين القوى والمصالح· فهو لم يقرأ جيدا الخريطة السياسية للعالم الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، معتمدا على حسابات بالية عفا عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث والوقائع· الأمر نفسه يكاد يتكرر في دمشق للأسف الشديد· إلا أنه في الواقع ثمة اختلاف هذه المرة، إلا أنه جاء في مرحلة ربما فات فيها الأوان·
لقد ظلت سوريا تتبنى السيناريو العراقي في مراحله الأولى ·· أي التشدد والصوت العالي والإصرار على المواجهة وتصعيد نبرة الخطاب بصرف النظر عن عدالة القضية من عدمها ·· والغريب أنها أخذت تمارس ذلك بموازاة انسحاب تدريجي من حظيرة المجتمع الدولي وتراجع إلى الوراء فيما يشبه العزلة والنفي الذاتي أو القسري عن باقي المجتمع الدولي بل عن أقرب أصدقائها·· وهذه وحدها حالة مرضية تصلح نموذجا للدراسة والبحث في مختبرات معاهد السياسة وإدارة الأزمات ··
لقد كلفت الحرب في العراق المنطقة الكثير من الخسائر وأثارت الكثير من الاضطرابات والقلاقل وبالتالي فان آخر ما يمكن أن تحتاج إليه الآن هو أزمة ونزاع من الصنف العراقي·
في الوقت نفسه أبدت دمشق استعدادها للحوار والتفاهم، وبصرف النظر عن توقيت هذا التغير في السياسات السورية، يبقى العرض جادا ومهما، ولابد أن يتعامل معه المجتمع الدولي بكل جدية حقنا للدماء ومنعاً للفوضى·