يفترض من الخطاب الديني أن يرتقي بعقول متلقيه، ويقدر مستمعيه ويعرف مستويات الحضور إلى تلك الملتقيات التي تكثر في مواسم الخير·
في كل خطبة أو محاضرة أو موعظة هناك مجموعة من المعلومات يتم سردها على الجمهور بمختلف درجات الوعي والإدراك لديهم، فما يوجه للعوام يجب أن يختلف عما يوجه للخواص، لأن عامة الناس تتأثر بجرعات من العاطفة والحماسة الزائدة أكثر مما يمكن قوله للفئات المتعلمة والمثقفة وإقلاب الخطاب بحيث يقال للأخير مثل ما قيل للأول فإن الهدف من الخطاب هنا يصبح شبه معدوم إن لم يتسلل إلى نفوس المتلقين أنواع من الملل وعدم تجاوب القلب والعقل لما يقال، فيفضل المرء السرحان المتعمد على الانتباه والإنصات المركز·
هناك فئة من الذين يتولون مهام الوعظ والإرشاد في المجتمع يفترضون في الجمهور بشتى أنواعه، بأنه يأتي إلى الدرس أو المحاضرة أو الموعظة خالي الوفاض وخاصة في المواضيع التي يشوبها التكرار الممل إذا غاب عن المحاضر عنصر التشويق والتجديد فيما يحاول إيصاله إلى الناس بمختلف أعمارهم ومشاربهم·
فيعمد هذا الواعظ إلى استخدام الأسلوب السطحي في الإلقاء إلى درجة اعتبار الذين أمامه عبارة عن مجموعة من الأطفال الصغار الذين هم بحاجة إلى من يقوم بإرضاعهم المعلومة رضعة رضعة أو تعليمهم الحبو خطوة خطوة·
يغفل بعض الوعاظ أن هناك من يفوقه علما وفهما ومعرفة في دقائق قضايا الإسلام وشريعته الغراء والتعامل مع هؤلاء يجب أن ينحو منحى التعليل والتحليل والتفسير لإضافة دقائق العلم وبنكهة جديدة إلى المعلومة القديمة وبغير ذلك فإن الواعظ يسبح في واد والجمهور في محيط آخر لا علاقة له بواديه·
من المهم جدا أن يدرك الواعظ الجمهور الذي يوجه إليه الحديث ولو بالسؤال المسبق عنهم من قبل الوزارات أو الدوائر أوالمؤسسات القائمة على استضافة بعض العلماء لمثل هذه المنتديات التي يرجى منها الخير العميم·
فجمهور المصلين في الجمع ليسوا كمن يحضرون المحاضرات العامة أو ما يتم إلقاؤه في المنتديات الخاصة والمجالس التي تستقطب أحيانا أعيان البلد، فمراعاة هذه الفروق واجبة إذا أردنا الوصول إلى تحقيق الأهداف السامية للخطاب الديني الذي بحاجة إلى إعادة النظر في بعض جوانبه العلمية·
فقبل أن يصاب هذا الخطاب بالجمود والتقليد، فإن على القائمين عليه التدخل إدارياً وفنياً لإعادة الحيوية والتجديد إلى عروقه وإلا فإن سطحية الإلقاء من قبل البعض قد تكون سبباً مباشراً لنفور الناس من الآخرين الذين يبذلون جهوداً فردية في تنويع الخطاب الديني وفق متطلبات العصر·
فالدين في الأصل هو عنصر متحرك ومحرك لكثير من واقعنا نحو الخير والعطاء اللامحدود وغير المقيد بخطابات الشكر البشرية لأن المعطي والمجزي هنا هو الخالق سبحانه وتعالى·
من هنا كانت المسؤولية على الجهات التي تتولى رسميا دفة توجيه الخطاب الديني في المجتمع التدخل لمنع تسطيح الدين ذاته من خلال بعض وعاظه، فالأمر غاية في الأهمية والقبول بالواقع كما هو ليس مبرراً لعدم إصلاح هذا الخطاب الديني الذي يجب أن يكون نورا وضاءً لهداية متلقيه إلى الصراط القويم ويبدأ ذلك من دور العلم الشرعي والكليات والجامعات والمعاهد التي تخرج الطلبة لأداء مهام الوعظ والإرشاد على أكمل وجه·
والارتقاء بالخطاب الديني يعني تحويل المعلومة إلى معرفة تنتج منها قوة الفعل في نفوس المتلقين فلا يمكن بذلك أن تدخل من الأذن اليمنى لتخرج من الأذن اليسرى، بل يكون مصيره الاستقرار في القلب منبع الإيمان والعقل مركز الحصانة والفهم السليم للدين·