في ختام زيارته الثانية لواشنطن والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، قال الرئيس محمود عباس ''أغادر واشنطن ونحن أكثر ثقة بإمكان إحياء واستئناف عملية السلام وأكثر تصميماً على المضي قدماً على طريق السلام والحرية والديمقراطية''· وقد جاء اللقاء الثاني بين الزعيمين الأميركي والفلسطيني في وقت تشهد فيه العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين توتراً شديداً أدى إلى وقف التعاون الأمني بين الجانبين وذلك بعد الهجوم الأخير الذي وقع في الضفة الغربية وأسفر عن مقتل ثلاثة مستعمرين/ ''مستوطنين'' إسرائيليين· وجاءت هذه الزيارة للرئيس عباس في وقت بدأت فيه الإدارة الأميركية تأخذ موقفا دبلوماسيا ''أكثر توازنا'' في علاقاتها بين الطرفين· وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية ''إن أمورا كثيرة حصلت منذ وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات'' في نوفمبر الماضي حيث كانت واشنطن قد رفضت التعاون معه منذ مدة· وأضاف المسؤول نفسه: ''إننا نعمل بتعاون وثيق مع السلطة الفلسطينية المنتخبة''· بعدئذ، جرى استقبال الرئيس عباس للمرة الأولى، ثم منحت الولايات المتحدة الفلسطينيين للمرة الأولى مساعدات مالية مباشرة لدعم الاقتصاد الفلسطيني· كذلك، قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بثلاث زيارات للمنطقة، فيما قام مساعدها المكلف بملف الشرق الأوسط بحوالى عشر زيارات·
إلى ذلك، تابعت واشنطن جهودها، على نحو دؤوب، مع إسرائيل كي تمضي بعملية تنفيذ انسحابها المعلن من قطاع غزة، مشددة في الوقت نفسه على وجوب تجميد الحركة ''الاستيطانية'' في الضفة الغربية· وقد أبدت واشنطن استياءها من القرار الإسرائيلي بمصادرة أراض فلسطينية في الضفة لتوسيع بعض ''المستوطنات'' القائمة· إلا أن هذا التحسن في العلاقات لم يمنع الرئيس بوش من التراجع (أو هكذا بدا عليه الحال) عن الموعد الزمني السابق، والمفهوم ضمناً، لإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل في عام ،2005 محللاً نفسه من ''التزام'' سابق لتحقيق هذا الهدف حتى نهاية ولايته الثانية في مطلع ،2009 فقد صرح، في المؤتمر الصحفي الذي ضمه مع الرئيس عباس، أنه غير واثق من أن هدف إقامة الدولة الفلسطينية يمكن تحقيقه قبل مغادرته للبيت الأبيض وبالحرف، قال بوش: ''أعتقد أن وجود دولتين ديمقراطيتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام أمر ممكن، لا أستطيع أن أقول لكم متى سيحدث ذلك، إنه في طريقه إلى أن يتحقق''· وأضاف:''إذا حدث ذلك قبل أن أغادر منصبي سأكون شاهداً على المراسم· أما إذا لم يحدث فنبذل جهوداً لنضع الأسس التي تجعل العملية ثابتة ولا رجعة عنها''· وفي هذا النطاق، خفف الرئيس الفلسطيني (وغيره من المسؤولين الفلسطينيين) من أهمية التصريح باعتباره جاء ''عفويا'' ولم يعتبروه خروجاً أساسياً عن الالتزام السابق، ناهيك عن قيام بوش نفسه (في لقاء له مع قناة فضائية عربية يوم 25/10/2005) بتوضيح موقفه ''إيجابياً''· كذلك، لم ينس بوش الإدلاء ببعض التصريحات العامة والمتكررة من نوع: ''أن على إسرائيل إزالة النقاط الاستيطانية العشوائية ووقف التوسع الاستيطاني، ويجب أن يكون الجدار العازل الذي يجري بناؤه (إسرائيليا) جداراً أمنياً وليس جداراً سياسياً''· وقد قابل المسؤولون الإسرائيليون هذه المطالب تجاه إسرائيل باستخفاف· فصرح أحد المسؤولين في مكتب شارون: ''الرئيس بوش لم يقل أي شيء جديد، فقد كرر صيغاً قديمة بالنسبة لخريطة الطريق· الضغط كان ولا يزال على الفلسطينيين لمكافحة الإرهاب كخطوة أولى، والمطالب في موضوع المواقع الاستيطانية غير القانونية هي ذات الأمور التي تقال منذ سنين''· ومن جهته، دعا الرئيس عباس إلى ''شراكة فلسطينية- إسرائيلية من أجل صنع مستقبل أفضل لشعبينا وللمنطقة بأسرها''· ولم ينس الرئيس بوش كعادته الطلب من الرئيس عباس ''تفكيك البنى التحتية لمنظمات الإرهاب'' كشرط رئيس للعودة إلى مفاوضات السلام· وهو الطلب الذي يتكرر يومياً على لسان المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء·
وفي إسرائيل، رحبت المصادر الرسمية بمطالبة الرئيس الأميركي الرئيس الفلسطيني ''بشن حرب لا هوادة فيها ضد التنظيمات الفلسطينية الإرهابية'' مشيرة إلى أنه ''لا ينوي إملاء جدول زمني على إسرائيل والفلسطينيين'' للتوصل إلى اتفاق نهائي ينهي الصراع خلال فترة رئاسته الثانية· وأضافت هذه المصادر أن تصريحات بوش لم تكن مفاجئة· ففي تقرير نشرته صحيفة ''هآرتس'' اليومية الإسرائيلية عشية زيارة عباس لواشنطن جاء بأن إسرائيل لا تتوقع أن تتمخض هذه القمة عن أي مفاجآت لإسرائيل وأن الأوليات الأميركية لا تنصب، راهناً، على إقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية ولاية الرئيس بوش الثانية إذ يتركز الاهتمام الأميركي في المرحلة الحالية على عملية مواصلة الإصلاح الاقتصادي بواسطة مبعوث اللجنة الرباعية جيمس وولفنسون وكذلك على المساعدة في إقامة وتنظيم السلطة الفلسطينية· أما المعلق الإسرائيلي ''شمعون ستغر'' فقال في صحيفة ''يديعوت أحرونوت''