تعقيبا على د· محمد السيد سعيد
من قراءتي لمقال الدكتور محمد السيد سعيد ''اختيارات صعبة بعد تقرير ميليس''، الاثنين 24 أكتوبر ،2005 أصابني في وقت واحد بالانبهار والدهشة، بقدر ما أصابني بالتشاؤم والحسرة! ذلك أن التوصيف التحليلي الذي يقدمه الكاتب للسيناريوهات والمسارات التي يحتمل أن تنتظم تطورات الموقف بين دمشق والعواصم الغربية في مرحلة ما بعد تقرير ديتليف ميليس، إضافة إلى التصنيف الدقيق لتلك المسارات التي هي خيارات محدودة جدا وقاسية جدا·· تقودنا إلى القول شبه متيقنين: إنه لا سبيل آخر يمكن أن يحدد تجاه توابع زلزال ميليس! إنه حقا توصيف قل أن نرى له مثيلا في الوضوح والرصانة وفي بلاغة اللغة السياسية أيضا ونصاعتها!
أما الذي يصيبنا في المقال بمشاعر التشاؤم والتحسر، فهو هذه الخيارات ذاتها التي لا تترك لسوريا إلا ''خيار'' المفاضلة بين نوعين من السم القاتل أو السير القسري في واحد من طريقين نحو الانتحار الإجباري! فإذا كان الخيار الأول، وهو أن يعمد النظام السوري إلى تسليم عدد من قياداته الأمنية الكبرى المشتبه بها مقابل أن ينقذ نفسه وسمعة بلاده، هو خيار مكلف معنويا وسياسيا، وليس ذا نتائج مضمونة، فإنه يبقى المخرج الأكثر عقلانية الآن والأقل تكلفة· ذلك أن الخيار الثاني والأخير، أي نهج ''المكابرة'' والاستمرار في رفض تقرير ميليس، قد يجنب سوريا المهانة الدولية وربما ينقذ رئيسها من الوقوف أمام محكمة دولية، لكنه يحتم عليها أن تتحمل عواقبه القاسية، بما في ذلك حظر دولي من مجلس الأمن وربما تصعيد عسكري أميركي، بل إن من النتائج الخطيرة أيضا لهذا الخيار كونه سيُبقي الاتهام معلقا برقبة النظام السوري!
ولعل ما يزيد من سوء الخيارين معا، هو هشاشة النظام السياسي العربي كعمق استراتيجي لسوريا، والذي بات منذ وقت طويل معدوما أو لا شيء، مما يجعل أي خيار تتبناه سوريا الآن، فيما يتعلق بالتعاطي مع نتائج تقرير ميليس، خيارا قاتلا ومدمرا وبلا أفق!
حسن حسين- بيروت