رغم أن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة قطعت شوطا بعيدا، لا رجعة فيه، حيث يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يتم الانتهاء من هذه المفاوضات بنجاح خلال النصف الأول من العام المقبل، لا يزال البعض يتحدث عن بعض المشكلات التي يمكن أن تلقي بظلالها على الاقتصاد الإماراتي جرّاء هذه الاتفاقية، متناسين أن لكل اتفاقية إيجابياتها وسلبياتها الاقتصادية وغير الاقتصادية بالطبع، ما يجعل من الإجحاف الحكم عليها من منظور اقتصادي محض، خاصة إذا كان الطرف الآخر في الاتفاقية أكبر دولة في العالم· ويأتي حرص دولة الإمارات على توقيع هذه الاتفاقية من القناعة الراسخة لدى المسؤولين بأن هذه الاتفاقية ستسهم في تعزيز سياسة الدولة الاقتصادية وانفتاحها الاقتصادي وتحرير الأسواق، إلى جانب انعكاساتها الإيجابية الأخرى على الاقتصاد الوطني والمناخ الاستثماري والنشاط التجاري بشكل عام· فدولة الإمارات تمتلك من المقوّمات ما يؤهّلها للاستفادة مما تحمله هذه الاتفاقيّة من جذب للمزيد من الاستثمارات، وبما يسهم في تطوير هياكل البنية الأساسية ونظم المعلومات والاتصالات وتعزيز المناخ الاستثماري، وتنمية المزايا التنافسية في المجالات الإنتاجية والخدمية المختلفة، خاصة أن هذه الاتفاقية في النهاية لن تتعارض مع أي اتفاقيات ثنائية أو إقليمية، وقّعتها الإمارات، كما أن جميع الدول ستتجه في النهاية إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي والانخراط في دائرة التجارة العالمية والالتزام بقواعدها وآلياتها، التي لن تختلف كثيرا عن قواعد وآليات الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة·
إن من أهم الثوابت الأميركية في مجال اتفاقيات التجارة الحرة هو التزامها بمبدأ أن ما تحصل عليه من امتيازات من دولة ما، يعتبر سابقة وحدّاً أدنى لما ستحصل عليه من اتفاقياتها اللاحقة· ومن هذا المنطلق جاء إسراع دولة الإمارات في إبرام هذه الاتفاقية، التي تحمل العديد من الجوانب المشرقة، حيث إن تقوية الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة، صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم، سيسهم في دعم ركائز الاقتصاد القومي الإماراتي من خلال العديد من الأوجه، ويؤدي إلى رفع الكفاءة الإنتاجية من خلال ما تفرضه الاتفاقية من معايير عمل أكثر تطورا تتلاءم مع أفضل الممارسات العالمية، خاصة في ما يتعلق بالشفافية وجودة المنتجات والخدمات، كما يرفع كفاءة الاقتصاد الوطني من خلال جعل القوانين الاقتصادية أكثر شفافية، إضافة إلى أن تسريع وتيرة التطوير في السياسة الاقتصادية وتفعيل التنافسية يعززان من المقدرة التنافسية في أسواق الدولة، ويرفعان من جاذبية الاقتصاد الإماراتي لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، كما أن فتح الأسواق الأميركية أمام الصادرات الإماراتية، يساعد في تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية ويفتح منافذ تصديرية جديدة أمام المنتجات المحلية، ما سيدعم الصناعات المحلية ويسرّع من وتيرة نموها، خاصة تلك التي تمتلك فيها الدولة ميزة نسبية وأفضلية إنتاجية، كما أن فتح الأسواق المحلية أمام الواردات الأميركية من دون رسوم جمركية، يؤدي إلى انخفاض أسعار العديد من السلع في السوق المحلية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae