قولو بلدة صغيرة على الحدود الأوغندية- السودانية كانت خاملة الذكر فيما مضى، ولا أحسب أن اسمها كان يدور حتى في دروس جغرافية أفريقيا التي تدرس لطلاب المدارس الأفريقية· لكن ''قولو'' -هذه البلدة الحدودية الصغيرة- كانت هذا الأسبوع على كل لسان وأمام كل عين قارئة أو مبصرة للصحافة والتلفزيون في كندا عامة وفي مدينة تورنتو خاصة·· والسبب تلك المسيرة التي دعت إليها ونظمتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني الكندية من مختلف المذاهب والاتجاهات، وحثت المواطنين على أن يخرجوا في تجمعات تسير من حيث يتاح لها أن تجتمع صوب مبنى بلدية مدينة تورنتو الكبرى للتعبير عن مشاعر الاحتجاج والغضب، وللتضامن مع أطفال ''قولو'' الصغار الأبرياء الذين انتهكت براءتهم وطفولتهم قوات ''جيش الرب'' التي تخصصت طوال العقدين الماضيين في اختطاف الأطفال الأوغنديين و''تجنيدهم'' للخدمة في قواتها التي تحارب حكومة أوغندا الشرعية تحقيقاً -كما يزعم قائدها- لرسالة السماء التي كلفته بتكوين ''جيش الرب''!
لسنوات طويلة كانت معارك وحرب طاحنة تدور رحاها في تلك البقعة النائية عن ''العالم المتحضر''، وكان وقودها إلى جانب الزرع والضرع أطفالاً صغاراً تمرست وتفننت قوات ''جيش الرب'' في الإغارة على قراهم البائسة والمسالمة وانتزاعهم من أحضان أمهاتهم وممارسة شتى صنوف الانتهاكات لإنسانيتهم وطفولتهم، وتجنيدهم أولاداً صغاراً وبنات صغيرات لخدمة الكبار في ''جيش الرب''، ثم الزج بهم في أتون المعارك التي تدور بينها وبين قوات الجيش الأوغندي واستخدامهم كدروع بشرية·
تلك الانتهاكات والجرائم التي أفاض في الحديث عنها ووصفها تقرير لمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في مجالات الدفاع عن الطفولة، بصورة يعجز العقل السليم عن تصورها وعن وصف الذين قاموا بها، ويعجز أكثر فأكثر عن إدراك الصلة بين ''الرب'' - الذي باسمه ارتكبت تلك الجرائم- وهؤلاء البشر الذين سموا أنفسهم بـ''جيش الرب''!
وظلت تلك الحرب الطاحنة التي كان الأطفال بعض وقودها، تدور هنالك في ''قولو'' وما حولها، وكثيراً ما كانت قوات ''جيش الرب'' والقوات الأوغندية يعبر كل منهما الحـــــدود الأوغندية إلى الأراضي السودانية أثناء حربهم تلك·· وكثيراً ما تعرضت القبائل السودانية في تلك المنطقة الحدودية إلى هجمات جيش الرب· كل تلك المخازي غير الإنسانية كانت تدور والعالم مشغول عنها بمسلسل الحروب الأهلية الأفريقية في الكونغو، وفي رواندا، وفي السودان وغيرها كثير· وظل الأطفال الصغار والأبرياء هم الضحايا الذين نادراً ما سمع العالم صوتهم أو أحس إحساساً إنسانياً صادقاً بمأساتهم أو فعل فعلاً إيجابياً من أجلهم·
لكن يوم السبت الماضي خرج آلاف الكنديين -رغم أن اليوم كان شديد الأمطار وشديد البرودة- متضامنين في المسيرة من أجل أطفال ''قولو'' التي تبعد آلاف الأميال عن بلدهم والتي لا تربطهم بها وبأطفالها سوى رابطة الإنسانية·· في المسيرة من أجل ''قولو'' وأطفالها التي اختاروها عنواناً لمأساة كل أطفال الحرب التي شهدتها بلاد أفريقية عديدة، كنت ترى نساءً ورجالاً مسنين على كراسٍ متحركة، وكنت ترى شابات وشباناً وأطفالاً صغاراً يتسابقون في التبرع بما تيسر -وهو دائماً قليل- لصندوق إنقاذ الأطفال الضحايا·· وكنت تسمع الأصوات وشتى اللغات تهدر مطالبة حكومة كندا بمواقف أكثر إيجابية من أجل إنقاذ الأطفال الضحايا·· أطفال الحرب الملعونة·
ويسألني جاري الكندي الجنسية الأفريقي الأصل: تُرى في كم مدينة أفريقية خرجت اليوم مسيرة مثل هذه المسيرة من أجل أطفال ''قولو''؟!