في الأسبوع الماضي طرحنا ثلاث إشكاليات في العلاقة بين طرفي مكوِّنات منتدى المستقبل الذي سينعقد بعد أسبوعين: الدول الثماني الممثلة، بصورة عامة ومتفاوتة، للإمبريالية والرأسمالية الغربية، والدول العربية المشاركة الممثلة بصورة عامة للأمتين العربية والإسلامية· الإشكالية الأولى كانت التاريخ الاستعماري الغربي الذي أبرزنا كيف أنه سعى في القرن التاسع عشر إلى إجهاض كل المشاريع الإصلاحية النهضوية التوحيدية العربية، ونجح في ذلك· الإشكالية الثانية هي في الحاضر الاستعماري الغربي، ممثلاً على الأخص في الولايات المتحدة الأميركية، والذي يتمثل في الدعم اللامحدود للاستيطان الصهيوني في فلسطين وفي الاحتلال غير الشرعي للعراق، وفي عديد من التدخلات في الحياة العربية· والإشكالية الثالثة كانت في الوضع الرسمي العربي الذي لا يملك أغلبه الشرعية الديمقراطية والذي حصل عبر سنين طويلة ولا يزال على الدعم الخارجي طالما أنه تجنب المساس بمصالح الغرب الجيو- سياسيه والاقتصادية·
اليوم سنطرح الإشكالية الرابعة متمثلة في منطق العولمة؛ فالدول الثماني الكبرى هي الراعية والمحرِّكة الأساسية لموجة العولمة الجديدة التي بدأت تتشكل في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن منطق هذه العولمة، والذي تضعه وتصرُّ عليه أميركا، سيكون عامل تأثير في كل مداولات وقرارات منتدى المستقبل· سنذكر على سبيل المثال اثنتين من إشكاليات منطق العولمة التي ستفرض نفسها وستكون لها آثار سلبية على مداولات الإصلاح·
أولاً: هناك توجه العولمة الحالي لإضعاف الدولة الوطنية ومنعها من ممارسة مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الأخص بالنسبة للفقراء والمهمشين من مواطنيها· وسواء أتم ذلك من خلال الضغوط التي تمارسها مؤسسات مثل البنك الدولي عند إعادة جدولة ديون دول العالم الثالث، أم من خلال التسلط المتزايد للشركات الدولية العابرة للقارات على متخذي القرار في الدول التي تتواجد فيها، فإن النتيجة هي التخلي المتعاظم للدولة الوطنية عن مسؤولياتها الكلاسيكيه في حقول كالتعليم والصحة، والاتجاه بتلك الخدمات نحو الخصخصة ومنطق السوق· وبالطبع فإن مثل تلك التوجهات كانت وستكون كارثية في المنطقة العربية حيث ينخر غالبية ساكنيها الفقر والتهميش وحيث أقليّات متحكِّمة تنهب كل خيرات مجتمعاتها· فكيف ستوازن الدول الثماني بين التزامها تجاه منطق العولمة هذا وبين التراماتها تجاه الإصلاح في بلاد العرب؟ هل يمكن تصوُّر إصلاح في مجتمعات تتخلى الدولة فيها عن مسؤولياتها الاجتماعية الكبرى بسبب إضعافها المستمر؟
ثانياً: إن النظام الذي وضعته منظمة التجارة العالمية قد فتح أسواق الدول النامية لبضائع وخدمات وشركات الدول الصناعية· وهناك دلائل تتراكم على أن فتح تلك الأسواق قد قاد إلى تدمير الصناعات الناشئة في البلدان النامية وإلى إفقار فلاحيها من خلال إغراق أسواقها أو من خلال التحكم في شراء منتجاتها بحيث تحصل الدول الرأسمالية في النهاية على حصة الأسد من قيمة المنتج وتبقي الفتات لدول العالم الثالث· وهناك ألوف القصص التي تشهد على إفلاس المؤسسات المحلية وانهيار المزارع المحلية الصغيرة وعلى تدمير البيئة في بلدان العالم الثالث، مما كتب عنه كتاب غربيون منصفون· فإذا كان منطق الاستغلال هذا هو الذي سيحكم العلاقة بين الدول الثماني وبين العالم العربي فأي إصلاح إذن سيتم في مجتمعات لا تستطيع حماية صناعتها المحلية ولا حماية إنتاجها الزراعي ولا منع المنافسة غير المتكافئة التي تمارسها الشركات الكبرى في سائر حقول الاقتصاد؟ وهل ستلتزم الدول الثماني بمنطق العولمة هذا أم بمنطق الإصلاح الذي تدعي حمل لوائه؟
لقد أبرزنا أربع إشكاليات ستجعل من الوصول إلى ثمار صحية في منتدى المستقبل أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً· فهناك حقائق بالغة القسوة تفرض نفسها، ولذلك فحتى ما سيطرحه المنتدى الأهلي الموازي لن يكون أكثر من ممارسة أكاديمية لا تأثير لها في الواقع السياسي العملي· ما الحلُّ إذن؟ هذا ما سنحاول تبيانه في الأسبوع القادم·