الانطباع الأول الذي خرجت به بعد الجلسة الرمضانية لـ''كبار اللاعبين'' في سوق الأسهم والمسؤولين في أسواق المال هو أن وضع سوق الأسهم الحالي غير مطمئن وأن أحداً لا يمكن أن يضمن عدم هبوط الأسهم أو حدوث أزمة في السوق·
ففي يوم الأحد الماضي وفي جلسة رمضانية في نادي دبي للصحافة تكلم أعلام سوق الأسهم والقائمون عليه بكل صدق ووضوح وكنت أتوقع أن يتفق الجميع على أن الأمور مطمئنة في سوق الأسهم ولكن الدكتور حبيب الملا فاجأني ببعض النقاط المهمة التي أثارها وعلى رأسها دور هيئة الأوراق المالية والسلع وعلاقتها بسوق الأسهم والمال وأشار إلى أنه دور يكاد يكون مفتقداً·· وكان واضحاً من إشاراته أن أسواق المال هي أقوى من الهيئة بل وأن بعض الشركات المساهمة تتجاهل الهيئة التي يفترض أن تكون الحلقة الأقوى في سوق المال والتي يفترض أن يكون لها دور رقابي واضح··· وهذا الوضع يدعو إلى القلق ويطرح التساؤلات الكثيرة عن صلابة وتماسك الأرض التي تقف عليها أسواق المال؟! وهذا ما يجعل الملا قلقا على وضع الأسواق·
النقطة المهمة والجوهرية الأخرى التي أثيرت في الجلسة ما قاله عادل الحوسني، وهو مدير إحدى أكبر المحافظ الاستثمارية في السوق، حول الشفافية وهذه نقطة لا يمكن القفز عليها فعندما يكون لدينا سوق فاعل ونشيط ويشهد تعاملات يومية كبيرة لا يمكن القبول بوجود ضبابية في وضع كثير من الشركات، فعلى الرغم من وجود نظام جيد للإفصاح وخاصة الإفصاح ربع السنوي والذي بمقتضاه يتم إلزام الشركات بالإفصاح مباشرة عن القرارات الاستراتيجية وكل المعلومات التي تهم المستثمرين مثل الميزانية والأرباح، إلا أنه مع ذلك لوحظ وجود تسريب للمعلومات من جانب أعضاء مجالس إدارات الشركات، الأمر الذي يضر بشفافية السوق المالي·
والحوسني كان على عكس الملا فقد أبدى تفاؤلا بوضع سوق المال الذي ربطه بارتفاع أسعار النفط والوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى تنظيم السوق الذي يرى أنه يحمي المتعاملين فيه من أية نكسة كنكسة ·1998 واختلف شهاب قرقاش وهو مدير محفظة استثمارية مهمة مع الحوسني في هذا الاطمئنان فهو يرى أن السوق ليس في مأمن من أي وضع سيئ أو مفاجئ··· أما عيسى كاظم فقد بدا كأي مدير لسوق مالي سعيداً بنتائج الشركات وراضياً عن أداء السوق ومتفائلاً بالمستقبل···
هذا التباين الواضح في النظرة المستقبلية لسوق الأسهم يدعو إلى التفكير مرتين في مستقبل السوق وخصوصا أن كلنا ما يزال يذكر الحركة التصحيحية التي شهدتها أسواق المال في الإمارات خلال شهر مايو الماضي والتي فقدت بسببها الأسهم 40 مليار درهم من قيمتها السوقية المقدرة بنحو 630 مليار درهم·· وكان واضحا أن هذه الحركة التصحيحية انعكست على صغار المستثمرين بشكل خاص ولا ننسى أيضا ما حدث في شهر يوليو الماضي ومن ما يزال يدفع إلى اليوم ثمن ذلك الهبوط للأسهم·
وهذا يدعونا لأن نلتفت إلى الجزء الآخر من سوق المال وهو المستثمر فمن المعروف أن في أسواق المال الأكثر تطوراً ونضجاً عادة ما تقوم قرارات الاستثمار فيها على الأبحاث وبالتالي على أسس قوية ومدروسة والمستثمر الذي يأمل بمواصلة جني العوائد الإيجابية يتحرك على أسس مدروسة مبنية على البحوث وليست مدفوعة بحركة السوق فقط·· فماذا يحدث عندنا؟!
ما يحدث أن المستثمر الصغير لا يكلف نفسه معرفة حقوقه كحامل لملكية السهم، أو حتى معرفة مخاطر وتكاليف السهم والرسوم أو العمولات المتعلقة بحسابه عند أمر تنفيذ البيع أو الشراء·· ولا يكلف نفسه بدراسة أو على الأقل الاطلاع على الوضع المالي والقانوني للشركات المساهمة قبل الإقدام على شراء أسهمها·· بل ولا يسأل أو يبحث حتى عن الطريق القانونية لرفع الشكوى ضد الوسيط أو السمسار إذا ما تسبب في خسارته أو استغل أسهمه أو بدر منه أي تقصير·
والأكثر غرابة من ذلك أن كثيراً من صغار المستثمرين لا يفرق في تقييم وضع السوق فيدخل في أي وقت ويعتقد أنه في أي ساعة سيدخل فيها السوق فإن الأسهم التي اشتراها سترتفع ولا يعرف أنه يفترض ألا يدخل السوق أو يشتري أي سهم عندما يكون المؤشر العام للأسهم متذبذباً بشكل كبير وحاد، ولا يعرف أنه على الرغم من ارتفاع مؤشرات الأسهم يكون على المدى البعيد إلا أن أسعار الأسهم متقلبة وغير ثابتة·
إنهم في الحقيقة مغامرون إن لم يكونوا مقامرين فكثير من صغار المستثمرين من باع أرضه وآخر رهن بيته الذي يسكن فيه وأطفاله وهناك من باع سيارته وآخر اقترض فوق قروضه كل ذلك من أجل الأرباح السريعة والكبيرة والمنطق يقول إنه يفترض أن يدخل الإنسان في سوق الأسهم بفائض ماله وليس المال الذي يحتاج إليه بل وليس بكل فائض ماله وإنما بنصفه على أكثر تقدير ولكن ما يحدث هو جنون الأسهم فالبعض يبيع كل ما وراءه وأمامه بل ويرهن كل ما يمكن رهنه من أجل الفوز بالملايين وفي النهاية إما أن يكون مليونيراً أو مديونيراً·
يضع كثير من صغار المستثمرين كل مالهم دفعة واحدة في سوق الأسهم ويجلسون يضاربون في الأسهم على