رغم تحفّظ البعض حول الحديث عن الفقر في الإمارات في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة عن الفقر والفقراء، وارتفاع متوسط دخل الفرد في الدولة، حيث يشير تقرير التنمية البشرية الصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام الماضي، إلى أن المواطن الإماراتي يتمتع بأعلى متوسط دخل بين مواطني الدول الخليجية استناداً إلى مبدأ القوة الشرائية، وبواقع 22,42 ألف دولار سنوياً، ورغم وجود نحو 58 ألف مليونير في دولة الإمارات، بحسب إحصاءات بعض المؤسسات العالمية المتخصصة، فإن كل ذلك لا يمنع من رصد بعض مظاهر ومؤشرات الفقر، ومنها تزايد معدلات البطالة بين المواطنين، وارتفاع عدد الأرامل والأيتام والمتقاعدين ممن يتقاضون معاشات محدودة، وانخفاض المقدرة الشرائية للفرد والأسرة في ظل الزيادات المتلاحقة في تكلفة المعيشة مقروناً بثبات الأجور في القطاع الخاص الذي يمثل الأمل الوحيد لامتصاص الأعداد المتزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وأيضا ارتفاع نسبة الفئة غير المنتجة، ومنهم صغار وكبار السن ممن يصنفون خارج قوة العمل·
وهناك من يحدد خط الفقر في بعض الدول الخليجية بما يعادل 1120 درهما، من دون تكلفة السكن، فإن هذا الخط لا يمكن بالطبع اعتماده في الإمارات، حيث إن لكل مجتمع ظروفه، حتى ولو تشابهت الهياكل الاقتصادية الخليجية، إذ إن هذا المبلغ غير كافٍ لشراء المواد الاستهلاكية الضرورية ولدفع قيمة الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه وهاتف ومواصلات ومصاريف دراسية وغيرها، بل إن هناك من تدعمهم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الإمارات بنحو 1500 درهم شهريا، ويشتكون من محدودية قيمة المساعدات الاجتماعية، وهذا أمر منطقي وصحيح·
وانطلاقا من هذه المعطيات، ورغم اختلاف مفاهيم ومضامين الفقر من دولة لأخرى، تحركت دولة الإمارات من اتجاهات عدة ومحاور متزامنة ومتلاحقة لتضييق دائرة الفقر وصولا للقضاء على هذه الظاهرة، فكانت مشروعات الرعاية الاجتماعية، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن دولة الإمارات أصبحت الأولى خليجياً في قيمة وحجم الضمان الاجتماعي المقدمة لذوي الدخل المحدود، فضلا عن الاتجاه نحو توطين الوظائف، مما يؤدي تدريجيا إلى القضاء على مشكلة البطالة وبالتالي حل مشكلة الفقر لشريحة مهمة في المجتمع، والقفزة الاقتصادية الكبرى التي تشهدها الدولة، والتي سيكون لها العديد من التداعيات الإيجابية على مستويات المعيشة· إلا أنه وفي ظل هذه التوجهات، هناك تحديات أخرى معاكسة يمكن أن تفاقم مشكلة الفقر في المستقبل، ومنها ارتفاع تكلفة المعيشة وثبات الأجور في القطاع الخاص، بما ينذر بمزيد من الضغط على الطبقة الوسطى واتساع دائرة الفقر، كما أن ركوب موجة الإصلاح الاقتصادي، التي تؤكد المتغيرات الاقتصادية العالمية أنه لا مفر منها، والتحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص، والاتجاه من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد مفتوح، والتخلص من اقتصاد مرتهن بالنفط إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية· وهذه الإصلاحات لن تخلو من تكلفة اجتماعية متوقعة قد تعمل باتجاه مضاد لجهود الدولة في تقليص دائرة الفقر·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae