تعقد في أبوظبي اليوم الجولة الحادية والعشرون للحوار الخليجي الأوروبي الخاص بإقامة منطقة للتجارة الحرة بين المجموعتين الخليجية والأوروبية وسط شروط جديدة يحاول الاتحاد الأوروبي فرضها على دول مجلس التعاون الخليجي، مما قد يعرقل التوصل إلى اتفاق حول إبرام هذه الاتفاقية التي طال انتظارها·
لقد مضى ما يقارب العشرين عاماً تقريباً منذ بدء الجولة الأولى من المفاوضات الخاصة بإقامة منطقة للتجارة الحرة بين الطرفين ولم يتم التوصل إلى مثل هذه الاتفاقية العتيدة، في حين لم تستغرق المفاوضات التي أجرتها دول المجلس مع بلدان ومجموعات اقتصادية أخرى أكثر من عامين، بما في ذلك بلدان كبيرة، كالولايات المتحدة· استقرت الكرة ولسنوات طويلة في الملعب الخليجي، فأوروبا الموحدة اقتصاديا اشترطت لمفاوضة دول المجلس بصورة جماعية إقامة الاتحاد الجمركي الخليجي، ذلك الاتحاد الذي تأخر عشرين عاما ولم يعمل به إلا في يناير من عام ·2003 قبل سنوات أشرنا إلى أن التأخر في العمل بالتعرفة الجمركية الخليجية الموحدة، وبالتالي التأخر في التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي سيضر بالمصالح التجارية والاقتصادية الخليجية وسيفرض على دول المجلس التزامات جديدة وبشروط صعبة· إن ذلك ما يحصل الآن على وجه التحديد، فالمجموعة الأوروبية أدرجت في الآونة الأخيرة مواضيع سياسية لا علاقة لها بالمفاوضات حول إقامة منطقة للتجارة الحرة، كأسلحة الدمار الشامل والإرهاب والهجرة غير الشرعية، علما بأن أحداً من مواطني دول المجلس من الكويت شمالا إلى عمان جنوبا لا يفكر في ترك وطنه والهجرة إلى أوروبا، فمستويات المعيشة في كافة دول المجلس تتيح مستوى حياة جيدة بشكل عام·
الأسباب الحقيقية تكمن في محاولة عرقلة تدفق الصادرات الخليجية من الألمنيوم والبتروكيماويات للأسواق الأوروبية وفرض ضريبة الكربون على الواردات الأوروبية من النفط الخام الخليجي· جولة المفاوضات التي ستبدأ اليوم في أبوظبي بين المجموعتين الخليجية والأوروبية تتم في ظل أوضاع دولية تختلف عن تلك التي بدأت فيها المفاوضات قبل عقدين من الزمن، وعلى الأوروبيين أن يأخذوا تلك المستجدات بعين الاعتبار· ضمن تلك المستجدات توقيع بعض دول المجلس اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية وسعيها لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع دول مهمة، كالصين والهند والبرازيل، إضافة إلى إقامة منطقة عربية للتجارة الحرة· هذه التطورات تضع الأوروبيين في قاع السلم التجاري الخليجي وتفوت عليهم فرصة الاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية في السوق الخليجية المتنامية بسرعة في ظل ارتفاع أسعار النفط، خصوصا وأن انخفاض أسعار الدولار جعل السلع الأوروبية أقل تنافسية وجاذبية للمستهلك الخليجي وللمقيمين في دول الخليج·
على مدى عامين ولأول مرة تصبح الصين الشريك التجاري الأول للبلدان الخليجية الرئيسية، بعد أن تربعت اليابان وأوروبا الغربية طويلا على هذا المنصب، أما التعنت الأوروبي الحالي الخاص بعرقلة إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين المجموعتين، فسوف يساهم في المزيد من التراجع النسبي للواردات الأوروبية وحصتها من إجمالي الواردات الخليجية من مختلف بلدان العالم·
بالتأكيد السلع الخليجية، وبالأخص الألمنيوم والبتروكيماويات ستكون أقل قدرة تنافسية في الأسواق الأوروبية في ظل غياب الاتفاقية، إلا أن هذه السلع لا تعاني من ضغوط تسويقية، فالأسواق الرئيسية في العالم مفتوحة أمامها· باعتقادنا جولة المفاوضات التي ستبدأ اليوم تشكل فرصة للأوروبيين لإعادة النظر في علاقاتهم مع المجموعة الخليجية وإزالة العراقيل التي وضعوها لتمهيد الطريق أمام توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين المجموعتين مع نهاية العام الجاري، وذلك قبل أن تتعرض تجارتهم مع دول المجلس للمزيد من الانخفاض النسبي، مع ما قد يترتب على ذلك من خسائر، خصوصا وأن أوروبا تزداد اعتمادا على نفط الخليج، حالها في ذلك حال معظم بلدان العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان والهند·