بعد نجاح أجهزة الاستخبارات التايلاندية في عام 2003 باعتقال من كان يوصف حتى تاريخه بالمطلوب الأول للعدالة والإرهابي الأخطر في منطقة جنوب شرق آسيا، ألا وهو رضوان عصام الدين الملقب بالحنبلي، صارت الصفة الآن من نصيب الماليزيين الهاربين ''نور الدين محمد توب وأزهري حسين· الأول باعتباره المخطط الاستراتيجي للهجمات الإرهابية المتتالية في اندونيسيا منذ مجزرة بالي في أكتوبر ،2002 والثاني باعتباره القائد الميداني المشرف على تنفيذ تلك الهجمات البربرية التي كان آخرها عملية انتحارية في الأول من الشهر الجاري في بالي أيضا·
القواسم المشتركة بين هذين الإرهابيين والإرهابي الأكبر أبي مصعب الزرقاوي كثيرة، وإن كانت جرائم الأخير في العراق لا تقارن بما ارتكبه الآخران حتى الآن في اندونيسيا· ولئن كان في مقدمة هذه القواسم خدمة أجندة وفكر تنظيم ''القاعدة'' بإخلاص وامتلاك مهارات التخطيط لضربات موجعة وفنون تضليل الخصم وتوظيف الاتساع الجغرافي والفلتان الأمني والحدود غير المحصنة في التخفي والهرب وتجنيد الأنصار، فإن أبرزها استخدامهم بلدا مجاورا لأوطانهم الأصلية كميدان للعمليات الإرهابية· فكما فشل الزرقاوي في العمل داخل بلده الأردن بفضل كفاءة الأجهزة الأمنية وسيطرتها مما اضطره للانتقال إلى العراق المجاور، فإن الماليزيين ولنفس الأسباب فرا إلى اندونيسيا المجاورة بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي دفعت السلطات الماليزية إلى تشديد قبضتها الأمنية ضد خلايا الإرهاب المحتملة· وإن كان ثمة قاسم مشترك آخر فهو العامل الأفغاني، فالثلاثة مروا بأفغانستان في وقت من الأوقات وتزودوا فيها بدروس التعصب والغلو الفكري فضلا عن دروس القتل والتفجير والتفخيخ·
أما الفوارق فيأتي على رأسها البون الشاسع ما بين خلفية الزرقاوي العلمية التي تكاد تكون صفرا مكعبا، والمؤهلات الدراسية العالية للرجلين الماليزيين، وإن وظفت في النهاية من أجل التدمير والهدم بدلا من توظيفها في البناء والإبداع· إذ على العكس من الزرقاوي، نجد أن نور الدين (35 عاما) متخرج من المعهد الماليزي للتكنولوجيا فيما رفيقه أزهري حسين (48عاما) يحمل بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة أديليد الاسترالية وشهادة الدكتوراه في إدارة العقارات وتثمينها من جامعة ريدينغ البريطانية· كما أن الأخير عمل محاضرا في جامعة جوهر الماليزية في التسعينيات قبل أن ينخرط عمليا في الجماعة الإسلامية ذات الامتداد في منطقة جنوب شرق آسيا والمتهمة بعلاقات تنظيمية وإيديولوجية مع ''القاعدة''·
ومن الفوارق الأخرى أن الزرقاوي يتحرك بوصفه قائدا غير منازع لما يسمى تنظيم ''القاعدة في بلاد الرافدين''، بينما موقع الماليزيين القيادي في الجماعة الإسلامية يبدو غامضا وإن قيل إنه متقدم ورئيسي· وجزء من هذا الغموض مصدره السرية التي تحيط بالتنظيم وفروعه وخلاياه المتناثرة في جنوب شرق آسيا· صحيح أن أبابكر باعشير، الاندونيسي، من أصل حضرمي والمعتقل حاليا لدوره التحريضي على الإرهاب ومقاومة النظام، عرف على نطاق واسع كمؤسس وزعيم للتنظيم، غير أن هناك أسماء أخرى برزت في السنتين الأخيرتين بصورة أوحت بأنهم قادة أعلى مرتبة من نورالدين وأزهري· فمع توالي التحقيقات مع المشتبه بهم وتزايد التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة، تردد مثلا اسم ''ذو القرنين'' الذي يعتقد أنه ذو مكانة عالية في التنظيم وأنه بسبب من ذلك تأتي أوامر التنفيذ النهائية للعمليات الإرهابية منه شخصيا أو من خلال زوجته ''خيرالرشيد'' كنوع من التمويه· وهناك ''ذو المتين'' المتخصص في الإلكترونيات وأحد خريجي مراكز التدريب التابعة لـ''لقاعدة'' في أفغانستان، والذي لولا أهميته ودوره المركزي في التنظيم لما خصصت واشنطن مؤخرا مبلغ 11 مليون دولار ثمنا لرأسه أو لمعلومات تؤدي إلى اعتقاله· ويُعتقد أن هذا الأخير يختفي منذ عام 2003 في جنوب الفلبين المسلم، حيث تلقى العديد من كوادر الجماعة الإسلامية تدريبات قتالية أو تخصصوا في فنون التفجير بما في ذلك أزهري حسين، وذلك في معسكرات جماعة ''أبوسياف''· إضافة إلى ذينك الرجلين هناك ''أبو دجانة'' وبشير الملقب بـ''قتادة'' اللذان يعتقد أنهما عضوان في القيادة المركزية للجماعة الإسلامية، استنادا إلى المعلومات التي جمعت في أعقاب الهجوم الانتحاري على فندق ماريوت في جاكرتا عام 2003 ، والتي تبين منها أنهما عقدا اجتماعين مع نورالدين وأزهري: الأول في يونيو 2003 لوضع اللمسات النهائية للعملية المذكورة، والثاني في أغسطس من العام نفسه لاستخلاص الدروس والنتائج منها· لكن هناك من المراقبين من يتبنى نظرية أن نورالدين وأزهري يمثلان قيادة جديدة لتنظيم الجماعة الإسلامية من بعد سقوط العديد من القيادات الأصلية (مثل باعشير وعلي غفرون وماس سلامات) في قبضة العدالة وتشتت شمل الآخرين، وأنهما قد شكلا قبل نحو ثلاثة أشهر في جزيرة سولو الاندونيسية حركة جديدة أكثر عنفا تحت اسم ''الوحدة المقاتلة'' من أجل المزيد من