رداً على توماس فريدمان.. درس الوفد العراقي
من خلال سلسلة من المقالات الأخيرة التي نشرها الكاتب الأميركي توماس فريدمان، كان آخرها ''العار الأميركي'' المنشور هنا في وجهات نظر يوم أمس، نرى تحولاً ملحوظاً في موقفه من سياسات إدارة الرئيس بوش، التي نذكر أنه كان من أكثر الكتاب تطرفاً ومغالاة في مساندتها والدفاع عنها، قبل وأثناء شن الحرب الأميركية الأخيرة على العراق· ومع أنه يحمد للكاتب هذا التحول باتجاه الوقوف إلى جانب الحق وشرف الكلمة والمهنة، إلا أنه حدث أيضاً ضمن استراتيجيات التكيف والبقاء المهني· وإلا انقرض الكاتب ولم يعد له وجود ولا بريق صحفي، إن واصل دفاعه المتطرف السابق عن تلك السياسات والإدارة، في وقت ما عادت هي نفسها، قادرة على الدفاع عن نفسها، وانهالت سياط النقد عليها من كل جانب، بما في ذلك لفيف المحافظين الجدد الذي تنتمي إليه· وما التناقضات المخزية التي عرض لها الكاتب في مقاله الأخير، سوى وجه واحد فحسب، من وجوه الإخفاق العام، الذي وقعت فيه إدارة بوش حتى أذنيها· حدثنا الكاتب في مقاله الأخير المشار إليه، عن أسباب العودة المبكرة والمفاجئة للوفد العراقي، المؤلف من عدد من القضاة والقانونيين والصحفيين، من واشنطن، بدلاً من أن يقضوا فيها المدة المقررة للزيارة التي كان الهدف منها إتاحة الفرصة لأعضاء الوفد، لدراسة نمط الديمقراطية الأميركية والتعرف عليها عن كثب· وليت تلك الفرصة لم تصادف أعضاء ذلك الوفد بالذات! فمن بينهم قاض عراقي مرموق، ذهب إلى ''قلعة الحرية والديمقراطية'' كما صورت لهم، لكي يرى بأم عينيه كيف يشتبك الدين بالسياسة في ''أميركا بوش'' أشد الاشتباك في قصة ترشيح مستشارة الرئيس هارييت مايرز لعضوية المحكمة العليا، على نقيض المحاضرات التي يقدمها الدبلوماسيون الأميركيون في العراق، للمشرعين والقانونيين العراقيين، حول أهمية فصل الدين عن الدولة في عراق ما بعد صدام! ومن بين أعضاء الوفد محام عانى ويلات التعذيب في عراق صدام، ليذهب إلى أميركا، ويرى كيف يدافع مسؤولو إدارة بوش عن ممارسة العنف والتعذيب بحق المعتقلين والسجناء في السجون التي تديرها القوات الأميركية اليوم! وهكذا·· تواصلت قصص خيبة وفجيعة الوفد في نمط الديمقراطية الأميركية، التي تسعى واشنطن لفرضها على الأمم والشعوب، بقوة السلاح إن دعا الأمر· والسؤال الذي أوجهه إلى الكاتب: هل تعلم الدرس، مثلما تعلمه أعضاء الوفد الذي حدثنا عنه؟
بدر الدين عثمان النور- السودان