أثار الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة نتائج إيجابية متعددة للدولة العبرية· ولقد بدأت إسرائيل تحصد فوائد هذا الانسحاب على مختلف الصعد· فعلى الصعيد العربي، أعلن متحدث باسم الرئاسة المصرية أن الرئيس حسني مبارك سيزور إسرائيل في شهر أكتوبر القادم لإحياء الذكرى العاشرة لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين· بالإضافة إلى ذلك، تستعد دولة مغاربية لاستقبال وفد إسرائيلي رفيع المستوى قد يرأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون· أما وزير خارجية عربي آخر فقد حثّ العرب صراحة على إقامة محادثات مباشرة، بل علنية، بينهم وبين إسرائيل وفتح خطوط اتصال معها· أما بالنسبة للدول الإسلامية غير العربية فقد سجلت ''مصافحة تاريخية'' بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون هي الأولى بينهما وذلك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة· وفي مؤشر أكثر دلالة، أصبح الجنرال مشرف أول رئيس دولة إسلامية (لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل) يتحدث إلى مئات من ممثلي المؤتمر اليهودي العالمي· أما الاختراق الحقيقي والتطور اللافت للنظر فهو الاجتماع الذي جمع بين وزير خارجية إسرائيل سيلفان شالوم ونظيره الأندونيسي حسن وبرايودا·
ووفقا للصحيفة الإسرائيلية يديعوت أحرونوت ''فإن أندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم، تسير بخطى حثيثة نحو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل''· وأضافت الصحيفة ذاتها نقلا عن مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية ''أن الرئيس الأندونيسي تحدث للمرة الأولى عن الاجتماع الذي عقد بين وزير خارجيته ووزير الخارجية الإسرائيلي في فندق في نيويورك على هامش اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة''·
ونقلت الصحيفة عن الرئيس الأندونيسي قوله ''إن الاجتماع بين الرجلين هو خطوة في المسار الصحيح وإن هذا الاجتماع لا يخدم فقط مصالح البلدين، وإنما يخدم مصالح العالم قاطبة وتحديدا العالم الإسلامي''! وتابع الرئيس الأندونيسي قائلا- ودائما وفق نفس الصحيفة الإسرائيلية إن العلاقات بين بلاده وبين إسرائيل ''ستؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية''· وتابع الرئيس الأندونيسي قائلا، إن السلطة الفلسطينية وافقت على أن تقوم بلاده بدور مهم في العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين· وقالت الصحيفة ذاتها أيضا، ''إن وسائل الإعلام الأندونيسية غيرت أخيرا من موقفها الرافض للدولة العبرية''· أما صحيفة ''جاكرتا بوست'' الأندونيسية فقد دعت في افتتاحيتها الشعب الأندونيسي إلى ''دراسة مجددة بالنسبة لموقفه من الدولة العبرية على خلفية قيام الأخيرة بالانسحاب من قطاع غزة''· وفي مقال لها بعنوان ''إعادة التفكير بإسرائيل'' أكدت أنه قد ''حان الوقت للتحلي بالبراغماتية دون الوصول إلى حد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة الصهيونية''· وأكدت الصحيفة أنه ''إذا ما حصل تقدم في عملية السلام كما يأمل الجميع فإن على أندونيسيا أن تغتنم فرصة التقارب مع الدولة الأكثر عصرية في الشرق الأوسط''· ودعت الافتتاحية إلى ''حوار بشأن إمكانية إقامة علاقات شبه رسمية على أدنى قاسم مشترك وربما مكتب تبادل تجاري''· وقال مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية إن أندونيسيا ''ستكون الدولة الإسلامية الثانية بعد باكستان التي تقوم بتسخين علاقتها مع إسرائيل تدريجيا''·
وعلى غرار تركيا، فإن أندونيسيا (التي يمثل المسلمون 90% من سكانها البالغ عددهم 220 مليون نسمة) تمثل في نظر إسرائيل أهمية خاصة على أساس أنها دولة ديمقراطية يحكمها معتدلون· وتعتبر أندونيسيا مناصرا متحمسا للقضية الفلسطينية ووصفت جاكرتا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لدى وفاته بـ''البطل''، وتنطلق مظاهرات في أندونيسيا باستمرار للتنديد بعمليات قمع الشعب الفلسطيني· ومع أنه لا يزال من المبكر القول إن أندونيسيا على وشك إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة العبرية إلا أن اجتماع وزيري خارجية البلدين يؤشر على بدء مرحلة جديدة من الاتصالات المباشرة بينهما وهو موقف يتعارض كلية مع الموقف الذي اتخذته أندونيسيا منذ استقلالها من الدولة العبرية وحتى سقوط أحمد سوكارنو في انقلاب عسكري قاده سوهارتو· وقد لا يعلم البعض أن إسرائيل هي من أوائل الدول التي اعترفت بأندونيسيا منذ استقلالها إلا أن أحمد سوكارنو أول رئيس أندونيسي بعد الاستقلال رفض تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل وبإصرار منذ اليوم الأول· ويعود السبب في ذلك إلى العلاقات الحميمة التي ربطته بعبدالناصر الذي حركت قيادته في تلك الفترة الجماهير الإسلامية في مختلف دول العالم ضد إسرائيل·
تاريخيا، أصبح الموقف من إسرائيل أكثر وضوحا عندما رفضت أندونيسيا استقبال بعثة إسرائيلية في عام ·1951
كما وصلت العلاقات الأندونيسية/ العربية إلى أوجها أثناء مؤتمر باندونج في عام 1955 الذي دعا إليه كل من الرئيس المصري جمال عبدالناصر والهندي جواهر لال نهرو، بالإضافة إلى الرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو حيث أسسوا حركة لعدم ا