كانت لدى قادة العالم الذين اجتمعوا في قمة الأمم المتحدة الأخيرة فرصة لترميم مصداقية المنظمة الدولية المنهارة وذلك من خلال التوحد وراء أجندة مشتركة، ولكنهم فشلوا في ذلك· فهؤلاء القادة فشلوا في الاتفاق على المسائل الجوهرية مثل إصلاح مجلس الأمن الدولي، وتعريف الإرهاب، ومراقبة تجارة السلاح، والالتزام بمساعدة التنمية ومكافحة الفقر· ويرجع هذا الفشل إلى حد كبير إلى التناقضات القائمة بين مصالح الدول الأعضاء، والمصلحة المشتركة للمجتمع الدولي·
وإذا ما عرَّفنا السلام العالمي، بأنه يعني تحقيق السلام بين دول العالم·· فإن الأمم المتحدة ستكون وفقاً لهذا التعريف قد فشلت في أداء مهمتها· أما إذا ما كان يعني إلى جانب ذلك تحقيق السلام الاجتماعي القائم على احترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقه في التعليم والرعاية الصحية وحمايته من الفقر، فإننا يجب أن نكون أكثر دقة في الحكم على سجل الأمم المتحدة· فهناك دون شك قفزات واسعة تم تحقيقها في تشريع قوانين حقوق الإنسان وصياغة المعاهدات المختلفة الداعية لطريقة أكثر تحضراً في التفاعل الدولي وتقليص احتمالات الصراع والحرب· إضافة إلى ذلك تم تحقيق تقدم مهم في مقاومة الفقر، والأمية والأمراض·
ولكن إذا ما أخذنا الثراء الفاحش والتقدم التكنولوجي الرهيب للعالم الصناعي في الحسبان، فستتكشف أمامنا حقيقة مخجلة وهي أن الأموال التي تنفق على شراء الأسلحة تفوق بما لا يقاس الأموال التي تنفق على توفير وسائل العيش اللائق لمعظم سكان العالم· وعلى الرغم من الاعتراف واسع النطاق بأن مجلس الأمن الدولي بحاجة إلى إصلاح، حتى يحظى بمزيد من الشرعية، ويحقق قدراً أكبر من الفعالية في أداء الواجبات المنوطة به فإن ما يحول دون تحقيق ذلك الإصلاح هو معارضة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس التي لا تريد أن تفقد شيئاً من قوتها وسلطتها في المجلس·
هذا إضافة إلى أن الفشل في التعهد بالتزامات محددة وقوية، لتخفيض تجارة السلاح، والتي تعتبر الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن ومعها إسرائيل هي أكبر المتعاملين فيها يرجع إلى ما تحققه تلك التجارة من أرباح مغرية لتلك الدول مما يجعلها تنظر إليها باعتبارها مسألة مصلحة وطنية يجب أن تأتي قبل المصلحة المشتركة· وقد دفع عدم وجود اتفاق على حظر انتشار الأسلحة التقليدية، وعلى ضرورة قيام القوى النووية في العالم بتقليص أسلحتها النووية، السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى وصف عدم وجود مثل هذه الاتفاقية بأنه ''فضيحة حقيقية''·
كانت هناك بعض الإنجازات المحدودة التي حققتها الأمم المتحدة مثل الاتفاق على تأسيس مجلس حقوق الإنسان، والاتفاق على إنشاء لجنة بناء السلام لمساعدة الدول الخارجة تواً من الصراعات على إعادة بناء وترسيخ دعائم السلام فيها، وذلك على الرغم من أن إنشاء ذلك المجلس قد جعل الدول الكبرى تسعى إلى وضعه تحت سيطرة مجلس الأمن أي تحت سيطرتها، في الوقت الذي أصرت فيه الدول الأخرى على وضعه تحت سيطرة الجمعية العامة التي تمثل كافة الدول الأعضاء في المنظمة الدولية·
والفشل في تعريف الإرهاب يعكس أيضا التوتر القائم بين المصالح القومية والمصلحة العامة بين الدول المختلفة والكبرى في مقدمتها· وتقديم المصلحة الوطنية على المصلحة العامة يعتبر معادياً من حيث الجوهر للروح التي بموجبها تم إنشاء الأمم المتحدة نفسها·· وهو خطير أيضا لأنه يؤدي إلى تآكل مصداقية المنظمة الدولية·
والحقيقة أن الأمم المتحدة ما زالت مطالبة بالنهوض من ضربتين مدويتين تم توجيهما إلى مصداقيتها: الأولى سكوت مجلس الأمن على ما وصفه دبلوماسي بريطاني بجرائم ''القتل الجماعي'' التي حدثت بسبب نظام العقوبات المفروض على الشعب العراقي في التسعينيات من القرن الماضي· والثانية، عجز المنظمة الدولية الواضح عن منع ما وصفه سكرتيرها العام بالحرب ''غير المشروعة'' ضد العراق· ومما لاشك فيه أن الصورة القاتمة التي خلفتها القمة الأخيرة تضيف الكثير إلى هموم منظمة الأمم المتحدة·