تشهد الساحة الكويتية هذه الأيام حوارات وسجالات عديدة تصل إلى حد النقد الحاد، وصراعات بين البرلمان والحكومة - كما أسماها الدكتور أحمد الربعي- وذلك إثر تصريحات أدلى بها الشيخ سالم العلي الصباح، وهو أحد أكبر أقطاب الأسرة الحاكمة (آل صباح)؛ ويأتي ترتيبه قبل الشيخ صباح الأحمد حسب التقاليد الكويتية، وقد طالب الشيخ سالم بتشكيل لجنة ثلاثية من الأسرة الحاكمة لإدارة شؤون البلاد نتيجة للأوضاع الصحية الحرجة لكل من الأمير وولي عهده! وتزامنت هذه التطورات مع أنباء عن اختلافات في منح حقوق التنقيب عن البترول في شمال البلاد، وشكل وحجم النسب الممنوحة للشركات التي ستقوم على التنقيب· ووفقا لإحدى الصحف الكويتية (10/10/2005) فإن الشيخ سالم وجه انتقادات لوزير الديوان الأميري ''وقيامه بأدوار ليست من صميم اختصاصاته ومهامه الوظيفية؛ فليس صحيحاً أو منطقياً أن يستفرد بالقرار''، كما وجه نقداً واضحاً للحكومة بعدم الاستفراد بالقرار وأن مبدأ فصل السلطات دستوري ولا حياد عنه· جرى ذلك متزامناً مع مقال للزميل محمد عبدالقادر الجاسم - على موقعه الإلكتروني- تعرض فيه بشكل شخصي لرئيس مجلس الوزراء ولرئيس مجلس الأمة وكذلك لوزير الطاقة؛ وطالب بضرورة مساءلتهم أمام الشعب الكويتي· وقد دافع الشيخ أحمد الفهد وزير الطاقة الكويتي عن إجراءات تطوير حقول الشمال النفطية؛ مشيراً إلى أن (الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية) التي ستمتلك خمسة في المئة من حصص تنفيذ المشروع سوف توزع الأسهم بالتساوي على أهل الكويت· وهذا الموضوع أيضا يعتبر سابقة في دولة الكويت فيما يتعلق بحقوق استغلال الموارد الطبيعية في البلاد· ودخل رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون على ذات الخط - خلال ندوة عقدت بالكويت- بقوله إنه لا توجد لديهم حكومة؛ وإن مشروع الشركة المذكورة يسعى إلى تنفيع فئة محدودة على حساب غالبية الشعب الكويتي مشيراً إلى أن الأرباح التي سيتم تحصيلها من مشروع التطوير تبلغ 180 مليار دولار سوف تذهب إلى (حزب الشر والفساد)· وتساءل السعدون: لماذا يريدون تفويض الشيخ أحمد الفهد للتعاقد مع الشركات الأجنبية؟ ملمحاً إلى أنهم (كتلة العمل الشعبي) سوف يتوجهون بالمساءلة إلى رئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد الذي يتحمل المسؤولية الأولى· كما حذر النائب ناصر الصانع (الحركة الدستورية - الإخوان المسلمون) الحكومة من الاستهانة بدور مجلس الأمة في مشروع حقول الشمال، مطالباً بدور للمجلس في القضية، ووجه بما يشبه التحدي للشيخ صباح رئيس مجلس الوزراء بألاّ يقع في عهده تجاوز للدستور· كما وصف الدكتور سعد بن طفلة (التحالف الوطني الديمقراطي - ليبرالي) وزير الإعلام الأسبق، مشروع حقول الشمال بأنه ''لحم ضب'' مطالباً بأهمية مواجهة رئيس الوزراء في القضية وليس وزير الطاقة أو رئيس مجلس إدارة الشركة· من ناحيته دافع رئيس مجلس إدارة الشركة أحمد العربيد عن موقف الشركة المسؤولة عن تطوير حقول الشمال مشيراً إلى مغالطات وقع فيها منتقدو المشروع وأن المشروع عرض في صيغته النهائية على اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة·
حديث الشيخ سالم العلي يمثل سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الكويت - ودول الخليج أيضا- حيث يتحدث أحد أقطاب الأسرة الحاكمة علناً عن أمور كانت تحاط دوماً بسرية تامة وتجري خلف أسوار مغلقة لا تصل إلى أقرب العاملين مع الأسرة؛ ذلك أن هذه السابقة كشفت عن حالات امتعاض لتجاوزات الدستور في بلد الدستور والمؤسسات؛ خصوصاً أن دولة الكويت سباقة في هذا المجال وقد تجاوزت العديد من الأنظمة الخليجية·
في الكويت لا يتم الاعتداد بالسن لتحديد وتنظيم بيت الحكم· فالأمور تؤخذ بعد تشاور الأسرة وتحقيق التناوب بين فرعيها؛ الجابر وسالم، ويتم اختيار ولي العهد بالتشاور والتفاهم بين الفرعين حسب الآلية المعمول بها في التناوب· وما يفهم من تصريحات الشيخ سالم العلي أنه استبق الأحداث فيما يتعلق بإمكانية تعيين الشيخ صباح الأحمد ولياً للعهد· وهو من نفس فرع الأمير· وهو ما أشار إليه الدكتور الربعي: إنه لا مرجعية للخلاف القائم بين أقطاب الأسرة· كما هو الحال مع الخلاف بين البرلمان والحكومة حيث يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية·
وفي تطور آخر أعلن رئيس مجلس الأمة (جاسم الخرافي) أنه اتصل بالشيخ سالم وتلقى منه رسالة فحواها ''أهمية الحرص على الدستور''، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى ما يراه الشيخ سالم تعارضاً أو اجتراءً على الدستور· ولربما كان يشير إلى إمكانية تعيين الشيخ صباح ولياً للعهد أو المراسيم والقوانين التي تصدر عن الأمير!
وقال (الخرافي) إنه كُلف من قبل الأمير بنقل رسالة إلى أعضاء مجلس الأمة والذين أكدوا على ولائهم وشكرهم وحرصهم على الأمير قائداً للبلاد وتمنوا أن يكون هنالك حسم لكل ما يتعلق بمصلحة الكويت وأهلها، مشيراً إلى أن ''ما يتعلق بإدارة البلاد فهو محصور في أمير البلاد''! ولا يسع المرء - في هذه المنطقة- والتي دأبت على سماع مقولة (التراضي بين الحكم والش