انتحار اللواء غازي كنعان وزير داخلية سوريا ومسؤول مخابراتها السابق في لبنان، قبل أيام على موعد تسليم تقرير فريق التحقيق الدولي في قضية اغتيال رفيق الحريري إلى الأمم المتحدة، أعاد طرح السؤال عن مصير نظام الحكم في دمشق·
ومن دمشق إلى نيويورك تتجه الأنظار غداً حيث يقدم المحقق الدولي ديتليف ميليس تقريره إلى الأمين العام للمنظمة الدولية كوفي عنان· لن يتضمن التقرير نتائج نهائية حاسمة تماماً وفق المعلومات التي تسربت عنه، فما زال أمام فريق ميليس 55 يوماً أخرى حتى منتصف ديسمبر المقبل بعد تمديد مهمته· ومع ذلك فالمتوقع، حسب هذه المعلومات أيضاً، أن ما وصل إليه التحقيق وتضمنه التقرير الذي سيُعلن غداً يكفي لتوجيه الاتهام إلى بعض أعضاء الجهاز الأمني السوري· ومن هنا أهمية واقعة انتحار كنعان، التي شكك البعض فيها ورجح أنه ربما أرغم على أن يفعل ذلك·
وأياً يكن مستوى أعضاء الجهاز الأمني السوري الذين قد يكون التحقيق كشف شيئاً عن تورطهم، ستكون الخطوة التالية في التحقيق هي البحث عن إجابة محددة لسؤال منطقي في مثل هذه الحالة، وهو: من الذي أصدر الأمر لهم؟ والسؤال ينسحب بطبيعة الحال على مستويات عليا في هيكل السلطة السورية·
ويعني ذلك أن نظام الحكم في دمشق يقترب من مواجهة أخطر أزمة تعرض لها منذ أن نجح الرئيس الراحل حافظ الأسد في إعادة الاستقرار إلى سوريا وتحويلها إلى لاعب رئيس، تؤثر سياساته في المنطقة تأثيراً قوياً ولا يمكن لأي قوة دولية إلا أن تحسب حسابه· واعتمد في ذلك على مهارته الشخصية وعلى سياسة جمع الأوراق الإقليمية لاستخدامها أو استثمارها في الوقت المناسب·
وقد رحل الأسد الكبير، وخسر النظام السوري قدراته التي لم يستطع تعويضها، في وقت كانت سياسة جمع الأوراق الإقليمية تفقد أهميتها· لم يعد الاحتفاظ ببعض الأوراق مجدياً، بل أخذ بعضها يتحول إلى عبء على النظام بعد أن كان رصيداً له، ومن بينها الورقة اللبنانية التي حصدت دمشق منها المكسب تلو الآخر على مدى نحو ربع قرن· وها هي تتحول خطراً عليه، بعد أن بات اتهامه في جريمة اغتيال الحريري محتملاً، سواء صغر الاتهام واقتصر على بعض ضباط أمنه، أو كبر وامتد إلى أحد أركانه·
وفي كل الأحوال، سيُواجَه نظام الحكم في دمشق في الفترة المقبلة بتهديد لا سابق له في تاريخه، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن العد التنازلي له قد بدأ· فلا توجد إجابة واضحة بعد على السؤال عن التصعيد الأميركي، وربما الفرنسي، ضد سوريا ترتيباً على تقرير ميليس، والمدى الذي يمكن أن يبلغه هذا التصعيد، وهل يصل إلى حد استخدام القوة المسلحة بعد عدة شهور من عدمه·
وحتى في حال قررت واشنطن القيام بعمل عسكري، فالأرجح أنه لن يستهدف نظام الحكم· وكل ما يجري تداوله من معلومات شحيحة وتكهنات كثيرة يدور حول غارات جوية على أهداف قرب الحدود مع العراق يُعتقد أنها مراكز يستخدمها متمردون يعملون مع تنظيم ''القاعدة في بلاد الرافدين'' ومجموعات أخرى أصولية وبعثية·
وهذا هو ما أوردته مجلة ''نيوزويك'' في عددها قبل الأخير باعتباره معلومات منقولة عن مصادر في الإدارة الأميركية، بعد أن كان الحديث عنه في إطار التكهنات· وكان جديد ''نيوزويك'' هو أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تعارض العمل العسكري ضد سوريا، حتى في هذه الحدود، وترى أن عزلها سياسياً يمثل عقاباً أقوى وأكثر فاعلية·
ولكن إذا وضعنا جانباً مثل هذه المعلومات غير الموثقة والتكهنات غير المدققة، ربما يفيد تأمل الاتجاهات الراهنة للسياسة الخارجية الأميركية في استشراف ما يمكن أن تتعرض له سوريا في الفترة القادمة· فأحد أهداف واشنطن الأساسية في الشرق الأوسط هو إحداث تغيير جوهري في كل من سوريا وإيران· وهذا النوع من التغيير لا يتحقق من دون إطاحة نظام الحكم، وبالتالي يصبح إسقاط النظامين السوري والإيراني هدفاً للسياسة الأميركية· ولكنه هدف استراتيجي على مدى بعيد إذا قُدر للاتجاه الذي تعبر عنه إدارة بوش الحالية أن يستمر بعدها، في ضوء أدائها المتراجع خارجياً كما في العراق وداخلياً على نحو ما أظهره إعصار كاترينا·
فإطاحة النظام السوري، إذن، ليست مطروحة في المدى القصير على الأقل· ولكن ما دام هذا هدفاً استراتيجياً، فالمفترض أنه يوجه المواقف والتحركات التكتيكية ويحدد وجهة السياسات التي ستُتبع في الفترة المقبلة·
ولكن هذا الهدف الاستراتيجي يشمل إيران إلى جانب سوريا· وما دام هناك هدفان، لابد من ترتيب للأولويات· وليس صعباً معرفة أن التغيير في إيران يحظى بالأولـــــوية الأولى بســــــــبب تقدمها النسبي في المجال النووي، والذي أدى إلى إدراجها ضمن ''محور الشر'' مع العراق وكوريا الشمالية في يناير ·2002 فالمعيار الذي اختيرت على أساسه هذه الدول الثلاث، حينئذ، كان من شقين: أولهما أنها تستطيع تطوير سلاح نووي أو أنواع أخرى مميتة من أسلحة الدمار الشامل· وثانيها أن ما يعتبره فريق بوش ''طبيعة شريرة'' لنظم الحكم في هذه الدول الثلاث يفرض عدم استبعاد استخدام تلك ا