يمر العراق الآن بنقطة فارقة في تاريخه، ستحدد في واقع الأمر شكله على الخريطة
- جغرافيا وسياسيا- لسنوات طويلة قادمة· والاستفتاء الذي أجري على الدستور قبل أيام عنصر مهم للغاية ومؤثر في تلك المرحلة الانتقالية· لأن البلد في حالة نعم سيكون مختلفا كثيرا عنه في حالة لا ·· وبالتالي تعتبر النتائج التي لم تعلن حتى الآن ويترقبها الجميع، حاسمة بدرجة كبيرة في هذا الشأن·
صحيح أن البعض قد ينظر الى الاستفتاء باعتباره من التفاصيل التي قد لا تشكل جوهر المشهد، الآن أو مستقبلا، باعتبار أن نعم أو لا لن توقفا العنف الناشب في شتى أنحاء العراق وأن الوضع الحالي أكبر من العملية السياسية بصورتها المرسومة حاليا·· لكن لا يمكن أبدا تجاهل نتيجة الاستفتاء في السياق العام للتجربة الحالية·
ويكتسب الاستفتاء أهميته من زاويا عدة، أبرزها كونه يمثل تكريسا للديمقراطية وممارسة لحرية الاختيار والتعبير المكفولة للجميع· ومن هذه الزواية يأتي الاستفتاء ليكمل المسيرة التي بدأت مع الانتخابات السابقة من أجل أن يعتاد العراقيون فكرة الاقتراع الحر وتحديد المصير عبر صناديق الانتخابات· وهذا في حد ذاته يمثل قفزة حقيقة وكبيرة جدا في التاريخ العراقي الحديث مقارنة بالمرحلة السابقة· غير أن المطلوب بوضوح هو تنزيه الاستفتاء كتجربة وأداة حاسمة عن كل الشبهات·· فلا يصح أبدا التلميح من هنا أو هناك بشأن وقوع أعمال تزوير أو تزييف في هذه المحافظة العراقية أو تلك لصالح نعم وضد لا، لأن أي بوادر أو ايحاءات بوقوع تزوير سينسف الغرض الذي أجري من أجله الاستفتاء، فهو سيشكك في جدوى المشروع الجديد في العراق برمته·
ومن الواجب طمأنة العراقيين سنة وشيعة واكرادا والتعامل معهم جميعا على قدم المساواة وتكريس الشعور الوطني وتغذية الروح القومية بأنهم شعب بلد واحد متماسك·
أما إشعار طرف من الأطراف بأنه أقلية وأن من الواجب عليه قبول الصيغة المعروضة عليه أيا ما كانت فهو لن يفرز إلا أجواء احتقان وهذه بطبيعتها لن تسهم أبدا في إحلال السلام والأمن في بلد يفتقدهما منذ سنوات· نحن نتحدث عن عراق جديد وتجربة ديمقراطية ومشاركة شعبية، إذن يعني ذلك ضرورة ان يكون الجميع اطرافا مشاركة على قدم المساواة·
إن أخطر ما في المشهد العراقي الحالي هو أن يعاد انتاج التجربة الصدامية بطريقة مختلفة، بمعنى العودة الى أجواء تقسيم العراقيين الى أغلبية وأقلية وتوزيع الأدوار والحصص وفقا لمستويات الولاء السياسي والطائفي· فمثل هذه الروح تعني تقسيم العراق كمجتمع ودولة وتكريس أجواء مهيئة أكثر لتفتيت البلاد في حين أن المطلوب هو الحفاظ على وحدتها·