سيقوم كل من جون سنو وزير الخزانة الأميركي، وألان جرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وكريستوفر كوكس رئيس لجنة الأوراق والمبادلات المالية، بزيارة إلى بكين هذا الأسبوع للاجتماع مع نظرائهم الصينيين· ومع ذلك علينا ألا نتوقع أن تسفر هذه الاجتماعات عن تحقيق أية اختراقات في العلاقات الأميركية الصينية، التي أصبحت مشوبة بالتعقيد الشديد·
ويرجع السبب في ذلك إلى أن أميركا لم تحزم أمرها بعد، بشأن تحديد استراتيجيتها الكبرى تجاه الصين· فهي لا تعرف ما إذا كانت ستقوم - كما فعلت أثناء فترة حكم الرئيس السابق بيل كلينتون- بدعم صعود الصين كقوة إقليمية من خلال السماح بحرية حركة التجارة والاستثمارات وتنقل الأشخاص بين الدولتين أم لا·· أو ما إذا كانت زيادة القدرات التنافسية الصينية، وكونها المنافس الجيوبوليتيكي الوحيد للولايات المتحدة في المدى المنظور، يتطلب من واشنطن نهجا أكثر هدوءا وأكثر حرصا إزاء الصين!
لقد أصبح انتقاد الصين موجة شائعة هذه الأيام في واشنطن· وهناك أوجه شبه قوية بين الانتقادات الموجهة للصين، وتلك التي كانت توجه لليابان في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان اقتصادها يهدد الاقتصاد الأميركي·
فعلى خلفية العجز الكبير والمتزايد سواء في الميزان التجاري أو في الميزانية يشتكي الأميركيون من الأساليب غير العادلة التي ينتهجها الصينيون في التجارة، كما يشتكون من تخفيض بكين قيمة عملتها بأساليب اصطناعية، وإقدامها على امتلاك شركات في أميركا، إضافة إلى ما تحققه من نسب ادخار عالية ومن كفاية استهلاكية ملحوظة· وهناك في الوقت الراهن حلف غير مقدس في الولايات المتحدة يضم أنصار مذهب الحمائية والمتشددين في مسائل الأمن القومي، يجعل الصين هدفاً لنيرانه· وقد تصاعد الأمر إلى ذروته خلال الصيف الفائت ووصل إلى حالة تشبه الهستيريا بسبب العرض الذي تقدمت به شركة CNOOC الصينية لشراء شركة ''يونوكال'' الأميركية، وبسبب رفض الرئيس بوش منح صفة ''الرسمية'' للزيارة التي كان الرئيس الصيني هو جينتاو يزمع القيام بها إلى العاصمة الأميركية· وقد أدى قيام شركة CNOOC بسحب عرضها، إلى تجنب حدوث أزمة دبلوماسية مفتوحة في شهر أغسطس الماضي، كما وفر إعصار كاترينا حجة مناسبة للإدارة الأميركية لإلغاء زيارة الرئيس الصيني التي كان مقرراً لها أن تتم في شهر سبتمبر·
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة ستجد أن حل التوترات القائمة مع الصين سيكون أكثر صعوبة من حل التوترات التي كانت قائمة مع اليابان في ثمانينيات القرن الماضي· وقد انتهى التنافس الأميركي الياباني عندما سقطت اليابان في هاوية تراجع اقتصادي كبير في التسعينيات، لم تخرج منها حتى الآن·
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الصيني يواجه تحديات خطيرة؛ منها ظمؤه الذي لا يرتوي للطاقة، وعدم المساواة التي يتسم بها والتي تزداد تفاقما باستمرار، ومجتمعه الذي يزداد شيخوخة، إلا أنه مع ذلك لا يوجد احتمال كبير لأن يواجه الاقتصاد الصيني نفس المصير الذي واجهه نظيره الياباني·
والأكثر أهمية من ذلك في مجال المقارنة بين علاقة الولايات المتحدة باليابان وعلاقتها بالصين، أنه في حين أن التنافس مع اليابان كان اقتصاديا بحتاً إلا أن التنافس مع الصين له خلفيات أمنية وجيوبوليتيكية تلقي بظلال كثيفة على علاقات الطرفين·
ومما يفاقم من صعوبة المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة مع الصين أن الصين دولة شيوعية تمتلك أسلحة نووية، وأن هناك توترات أمنية بين الصين وبين جيرانها الآسيويين الذين يعتبرون بمثابة حلفاء وثيقين للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان·
ولكن الاقتصاديين في أميركا سيسارعون للتدليل على صحة وجهة نظرهم التي تقول إن المعجزة الاقتصادية الصينية المستمرة، تمثل نعمة كبيرة للولايات المتحدة التي يجب ألا تقوم بأي شيء يعرض تلك المعجزة للخطر·
فالشركات متعددة الجنسيات المملوك معظمها للولايات المتحدة، تستخدم الصين كمنتج رخيص للسلع العالمية، كما أنها تتلهف إلى الإمكانيات الشرائية لطبقتها الوسطى الصاعدة· ومن ناحية أخرى نجد أن المستهلكين الأميركيين يستمتعون بالسلع الصينية جيدة النوعية ورخيصة السعر في ذات الوقت· كما أن الولايات المتحدة لم تتمكن من إدارة العجز التجاري وعجز الموازنة لديها بسبب قيام الصينيين بتملك كميات هائلة من الأسهم والسندات الأميركية وهو ما يؤدي إلى إبقاء أسعار الفوائد منخفضة الأمر الذي يستفيد منه ملاك المنازل الأميركيون بدورهم استفادة قصوى·
لذلك يرى الاقتصاديون الأميركيون أن الاشتباك الاقتصادي مع الصين هو الاستراتيجية الأفضل للولايات المتحدة، ليس لأن المنافع الاقتصادية تفوق بكثير الأكلاف، ولكن لأن الأميركيين جميعا بدءا من العاصمة واشنطن وحتى ''مين ستريت'' بحاجة لأن يدركوا أن الاشتباك الإيجابي مع الصين هو الوسيلة المثلى لتجنب عدم الاستقرار السياسي العالمي·
لقد أثبت التاريخ دائما أن الروابط الاقتصادية بين القوى العظمى تساعد على التخفيف من حد