شكلت السيارة على الدوام ملمحا مهما في حياة أسرتي، حيث حرصنا على اقتنائها منذ ظهورها الأول· فقد كان والدي أول من أتى بسيارة إلى مدينتنا الصغيرة في ويلز تاركاً حصانه في أقرب مدينة· وفي إحدى المرات عندما كان والدي عائداً إلى المنزل تعطلت السيارة في منتصف الطريق فاضطر للاعتماد على حصان لجرها طوال تلك المسافة إلى البيت· ومنذ ذلك الحين أصبحت السيارات الشغل الشاغل لوالدي على امتداد حياته· وعندما حصلت على أول سيارة كان التطور أهم خصائصها، حيث تحولت إلى آلة قوية مختلفة تماما عن سيارة أبي الأولى· وما أن كبر أحفادي وأصبحوا قادرين على القيادة حتى انتقلت السيارات إلى مرحلة جديدة وصارت أكثر قوة وفعالية، كما أصبحت في متناول الجميع، إذ غالبا ما تجد سيارتين في مرآب واحد·
ومع قرب حصول حفيدي البالغ من العمر 14 سنة على سيارته الأولى ذات محرك الاحتراق الداخلي، بدأت أتساءل عن التغييرات التي ستلحق بصناعة السيارات خلال حياته، وما إذا كانت السيارة ستحافظ على شكلها وطريقة عملها الحاليين· غير أن المشكلة التي تطرحها السيارات هي ضرورة توافر كميات كبيرة من النفط لتشغيل أعدادها الهائلة التي تجوب الشوارع الأميركية· والمعروف أن النفط بعد تكريره يوفر ما تحتاجه أميركا من بنزين، وبما أن استهلاكه ما فتئ يرتفع فقد بدأت تطرح مشكلة النقص في توفير الكميات الكافية لفترة طويلة· وتصبح المشكلة أكثر وضوحا عندما نعرف أن الولايات المتحدة تستهلك لوحدها 25% من الإنتاج العالمي للنفط، في حين أنها لا تتوفر سوى على 3% من الاحتياطي العالمي، أما الباقي فعليها أن تستورده من الخارج·
وقد جاء إعصارا كاترينا وريتا ليفاقما من هذه الوضعية، خصوصا بعدما دمرت المصافي الأميركية في الولايات الجنوبية، ما أدى إلى تعطيل القدرات الأميركية في معالجة النفط وتكريره· وبالطبع أثر ذلك سلبا على إمدادات الوقود وسلط الضوء على هشاشة البنية النفطية في الولايات المتحدة· ولكن حتى قبل ظهور المشاكل المرتبطة بالإعصار بلغ سعر الجالون الواحد من البنزين 3 دولارات، وهو أكثر بثلاث مرات مما كان عليه قبل خمس سنوات· وبالرغم من أن السعر الجديد مازال متدنيا بالمقارنة مع الأسعار الأوروبية حيث يصل إلى 6 دولارات للجالون الواحد في بعض الدول الأوروبية، إلا أن الأميركيين يفرطون في استهلاك البنزين، وبالأخص عندما يقودون السيارات الكبيرة التي تستهلك كميات وفيرة من الوقود· وبالنظر إلى المسافات الطويلة التي يقطعها الأميركيون بسيارتهم خصوصا في الولايات الغربية، فإن سعر 3 دولارات للجالون كان قاسيا عليهم· ولئن كان الكونجرس الأميركي يدرك جيدا حجم المشكلة، فإنه لغاية اللحظة منصرف عن ذلك، ومنشغل بآفاق التنقيب عن النفط في أميركا الشمالية، وتحديدا في منطقة ألاسكا التي بدأت بعض الدراسات تشير إلى احتوائها على كميات كبيرة من النفط· وفي هذا الصدد شرع الكونجرس في مناقشة استصدار قوانين جديدة تجيز التنقيب عن النفط في المنطقة القطبية، كما بدأ يدفع باتجاه التخفيف من صرامة القوانين من أجل إنشاء مصافٍ جديدة ترفع من القدرات الأميركية في معالجة النفط، بالرغم من المعارضة الشديدة التي تواجهها مثل هذه الخطوة من قبل الجماعات المدافعة عن البيئة·
إلى ذلك يعلق الكونجرس الأميركي آمالا عريضة على إمكانية استغلال بعض المصادر البديلة لإنتاج الطاقة مثل استغلال الرمال المتواجدة بكميات كبيرة في كندا من أجل تحويلها إلى وقود منتج للطاقة· وبالرغم من أن أسعار النفط الآخذة في الارتفاع يوما إثر يوم تشجع على التفكير في المصادر البديلة، إلا أنه ليس من المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة في الوقت الراهن من تحقيق الاكتفاء الذاتي، أو الاعتماد على مصادر أخرى غير النفط في تلبية احتياجاتها من الطاقة· وإذا ما واصلت الولايات المتحدة استهلاكها بالوتيرة الحالية، فإنه لا يوجد بديل أمامها سوى الاستمرار في الاعتماد على استيراد النفط بكميات كبيرة· وليست الولايات المتحدة وحدها من يستهلك النفط بنهم، بل دخلت معها في تنافس محموم الهند والصين اللتين شهدت اقتصادياتهما نموا مطردا في السنوات الأخيرة جعل طلبهما على الطاقة يقفز إلى أرقام كبيرة·
وبينما لا يزال الأميركيون غير واعين تماما بالمشكلات المتعلقة بالإمدادات النفطية التي تنتظرهم على المدى البعيد، إلا أن الأسعار الملتهبة للوقود والمرشحة لمواصلة الارتفاع دفعتهم للتفكير في استعمال سيارات أقل استهلاكا للوقود· لذا أصبح العديد منهم يبتعدون عن شراء السيارات الكبيرة التي تقطع أقل من 20 ميلا للجالون الواحد، وبدؤوا يركزون على السيارات المهجنة التي تجمع بين محرك كهربائي ومحرك يعمل بالبنزين، وذلك للحد من استهلاك الوقود· وفي هذا الإطار أعلنت شركة ''تويوتا'' أنها باعت أكثر من 150 ألف سيارة مهجنة في الأسواق الأميركية، علاوة على طرحها في الأسواق أنواعاً جديدة من السيارات لا تستهلك سوى كميات قليلة من الوقود· وأمام هذا النجاح الذي حققته الشركة اليابانية