عندما تناولنا أمس أوجه القصور وحدود مسؤولية صحافتنا المحلية عن تفشي ما يعرف اصطلاحاً بـ''صحافة الفاكس والإيميل والبيانات'' لم يخطر بالبال أن تصدر أحدث المواليد في سوق الصحافة المحلية بتحقيق صحفي مصوّر يحمل طابع الإجادة، ويجسّد مفهوم الفن الصحفي القادر على أداء دوره الحقيقي· والصور التي نشرتها إحدى الصحف المحلية، أمس، لما وصفته بمنازل الصفيح التي يقطنها بعض مواطنينا، هي الصحافة الحقيقية التي يتمنّى الجميع أن تغوص في أعماق الواقع علماً بأن هذه الصور لا تعيب دولة الإمارات في شيء ونشرها ليس ''سقطة مهنية'' بل هو العكس تماماً، ليس لأنها تنقل الواقع الحقيقي لمعاناة الناس، ولكن لأنها تكشف بالأساس عورات معظم صحفنا المحلية التي غاب عنها عنصر البحث والتحرّي الصحفي وتراجع فيها الاهتمام بالداخل لمصلحة العناوين البرّاقة والمانشيتات العريضة والصفحات المتخصّصة التي تغطي أصقاع الأرض من مشرقها إلى مغربها من دون تلمّس الاحتياجات الحقيقية لقرّاء هذه الصحف في الداخل· لا يعيب دولة الإمارات مطلقا أن توجد بها بيوت من الصفيح ما دامت الدولة تسعى جاهدة لإنهاء معاناة الناس بدليل أن الظاهرة ستختفي، كما قالت الصحيفة، في غضون شهرين تقريباً وتصبح هذه البيوت أثراً بعد عين، فدول العالم المتقدّمة جميعها لا تخلو من طبقات فقيرة وبيوت من صفيح، وقد شاهد الجميع ذلك في مواقف ومناسبات شتى والعبرة بالنهاية بمدى إحساس الدول بمواطنيها ومقدرتها على تقديم يد العون لهم·
ومن خلال تسليط الضوء على هذا النمط المهني الجاد من الأداء الصحفي، يصبح من الممكن أن نقدّم فناً صحفياً مغايراً يجعل من هموم الناس ومن تلمّس أوجه المعاناة والمشكلات همّا يومياً للصحافة والصحفيين، ومن هذه النقطة تحديداً تكتسب الصحف القديرة والعريقة شعبيتها وتأثيرها الجماهيري ومقدرتها على تشكيل الاتجاهات· فالصحف التقليدية التي تشكو مصادرة دورها بسبب شركات العلاقات العامة وعمليات ''التلميع'' الدعائية كانت بحاجة إلى منافس مهني قوي كي تنفض الغبار عن نفسها وترى الوجه الآخر للحقيقة، متمثلاً في أنها مسؤولة أيضا عن إيجاد القنوات والطرق والأدوات التي تضمن بها ومن خلالها دوراً مميزاً ومنافساً لمصلحة القرّاء وأيضا لمصلحة تعزيز دور الإعلام الإماراتي الذي بات محطة إقليمية حيوية تعمل ضمن أجواء مميزة من الحرية والانفتاح·
ورغم أن بعض صحفنا المحلية قد بذلت جهداً في استعراض بعض مظاهر القصور التنموي في بعض المناطق عبر سلاسل من التحقيقات الصحفية، فإن أكثر ما يميّز التحقيق الصحفي الذي نشر أمس أنه تجاوز لغة ''السرد'' واعتمد على الأرقام ولغة ''الصورة'' وهي العنصر الحاضر الغائب في صحافتنا المحلية التي تتوافر لديها إمكانيات طباعية ربما لا تتوافر لغيرها إقليمياً، فالصورة لها لغة إنسانية سيكولوجية خاصة ووقع استثنائي يلامس العيون والقلوب، بل لا نبالغ إذا قلنا إن صورة صحفية واحدة معبّرة تمتلك من قوة التأثير والتعبير ما يفوق بمراحل عشرات المقالات والأعمدة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae