كما لو لم يكن لإدارة بوش وللحزب الجمهوري، ما يكفيهما من مشاكل العراق ومخلفات إعصار كاترينا، فوجئا الشهر الماضي بمشكلتين جديدتين تمام الجدة· أولاهما هي الاستقالة الإجبارية التي أرغم على تقديمها ''توم ديلي''، رئيس الأغلبية في مجلس النواب، بسبب الاتهامات الموجهة له فيما يتعلق بإساءة التصرف المالي· أما ثانيتهما فهي الترشيح المثير للجدل لمستشارة الرئيس هارييت مايرز، لشغل منصب قضائي في المحكمة العليا· وبالنظر إلى طول المدة التي أمضتها مايرز في العمل إلى جانب الرئيس بوش، فإنه ليس مستغرباً أن يظن البيت الأبيض أنها ستكون في مأمن من أي طعن يوجه لها، بخصوص ترشيحها لهذا المنصب القضائي· ثم هناك سبب آخر يعزز هذا الزعم، هو أنها امرأة وأن هناك ضغوطاً ملحة ومستمرة باتجاه استبدال القاضية ساندرا داي أوكونور، بقاضية أخرى من جنسها· ولما لم تكن مايرز لتعمل قاضية مطلقاً في يوم ما، ولكونها لم تعرب عن مواقف عامة واضحة إزاء مجمل قضايا الحوار العام المطروحة، فقد ظن البعض أنه لن يكون هناك سبيل لأن تستهدفها ألسنة النقاد وسياطهم· يضاف إلى ذلك كله تقدير آخر أحاط بهذا الترشيح، ملخصه أن مايرز تعد من أفراد الدائرة الخاصة التي يتعامل في إطارها الرئيس بوش· ولذلك فقد نشأ الاعتقاد بأن الجمهوريين سيثقون في ترشيحه لها، وأنه مطمئن على أنها ستتبنى أجندة ومواقف جمهورية، منذ لحظة توليها لمنصبها الجديد في المحكمة العليا·
غير أن الذي تكشف عملياً هو خطأ حسابات وتقديرات البيت الأبيض الثلاثة أعلاه، على الرغم من كفاءة مايرز المهنية القانونية في مجال الادعاء، وعلى الرغم من أهليتها التي تسمح لها بالترشيح لعضوية المحكمة العليا· فقد أثار ترشيحها للمنصب المذكور ضجة واسعة وردود فعل حادة، تفاوتت بين الشعور بالإحباط وخيبة الأمل، والغضب والعداء المكشوفين· وبالنتيجة فقد طالت الانتقادات الرئيس نفسه، ودمغه كل من الديمقراطيين والجمهوريين، بالمحسوبية والميل إلى حاشيته· وكم سخر منه بعض المحافظين على وصفه لمايرز بأنها ''خير'' من وجده لشغل هذا المنصب القضائي· والحق يقال إن أكثر حملات النقد شراسة لهذا الترشيح، إنما شنها المثقفون المحافظون· وكان أمل هؤلاء، أن تخلف أوكونور في ذاك المنصب، شخصية أقوى في انتمائها للخط الجمهوري المحافظ، وأعلى تأهيلاً منها· ومن رأيهم أن تعييناً بهذه المعايير، من شأنه تغيير مجرى القضاء والمحكمة العليا الأميركية لعقد كامل على الأقل· ولما لم تكن مايرز لتعرف بأية مواقف واضحة تنسب لها، فقد ثارت بينهم المخاوف من ألا يكون صوتها، صوتاً جمهورياً مضموناً يعول عليه داخل المحكمة· لذا وتعليقاً على قول الرئيس عن مايرز ''صدقوني أنا أعرفها·· وأعرف ما في سريرتها وما يدور بخلدها ''، قال له أحد المحافظين ''صدقوني'' هذه لا تكفي! وبما أن هذه هي طبيعة التراشق الكلامي بين الرئيس وأعضاء حزبه، أليس في ذلك ما يشير إلى اهتزاز ثقة المحافظين في رئيسهم؟