لا تزال خطة جلاء الاحتلال عن قطاع غزة من طرف واحد، موضوعا لمناقشة وجدل كبير، سواء في الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حيث استجدت تداعيات كثيرة على الجانب الفلسطيني· أما في الطرف الإسرائيلي فقد جرت مطالبة الانسحاب من مستعمرات الضفة الغربية، وتنتهي جدالات ذلك الطرف إلى أن آرييل شارون هو رئيس الوزراء الأقدر على إدارة الدولة اليهودية وعلى مواجهة ''المتمردين'' في الطرف الفلسطيني بقتل زعمائهم وقادتهم وحرمانهم من عناصرهم المدربة، وهذا هو سبب انتصاره على بنيامين نتانياهو في مؤتمر ''الليكود'' مما يعني أن غالبية المجتمع الإسرائيلي ترغب في الاحتفاظ بأكبر مساحة من الأرض الفلسطينية المحتلة في 5/6/1967 باعتبار شارون هو المحتل الأكبر للضفة والقطاع ·
وسواء أكان المجتمع الإسرائيلي هو الذي أراد ذلك أم قادته العسكريون الذين يعرفون أن قوة إسرائيل قادرة على تحقيق هذا المطلب الإسرائيلي· وهذا ما يفسر غزارة المقالات التي كتبها القادة العسكريون الإسرائيليون ونشروها في الصحف· ونقل شارون هذا المطلب إلى نيويورك حيث تحدث في الجمعية العامة قائلا إن إسرائيل لن تخرج من كل ما احتلته في حرب ،1967 وبخاصة من القدس التي أصبحت ''موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل''، كما أعلن أنه لا حق للعودة· ولم يجب على ادعائه ولا وفد واحد، خاصة أن الوفود العربية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تعرف بما قاله شارون، وأنه قادر على تنفيذه· وهي تعرف أيضاً عدم قدرة الأمتين العربية والإسلامية على منع شارون من تحقيق قوله بواسطة قواتها المسلحة حاليا· بينما تعرف إسرائيل، وقبلها الولايات المتحدة الأميركية، أنه إذا أصرت الشعوب العربية والإسلامية على استرجاع ما احتلته إسرائيل في عام ،1967 وكذلك في العامين 1948-،1949 فسوف تعجز الحكومات العربية والإسلامية في الوقت الحاضر عن كبح جماح شعوبها مدة طويلة؛ وهذا يعني أن هذه الحكومات ستلجأ، مرغمة أو راضية، إلى سباق تسلح جديد، لكي تزود قواتها بما ينصرها على الخصم الإسرائيلي· واستعداد القوات العربية والإسلامية لسباق تسلح جديد سيؤدي إلى تشكيل بؤرة من التوتر العسكري والسياسي والأمني، مما يجعل سير الإدارة الأميركية الحالية في مشروعها المعروف بـ ''خريطة الطريق''، مجهول المصير فتسعى إلى تطبيقه بما أمكن من السرعة· وقد وضع العرب ثقتهم في الولايات المتحدة الأميركية، فقالوا إن 90% من أوراق الصراع العربي - الإسرائيلي موجودة في يدها· وهم يقصدون بذلك أنهم ليسوا عاجزين عن محاربة اسرائيل وإنما هم عاجزون عن محاربة الولايات المتحدة التي لا تريد أن ترفع حمايتها العسكرية عن اسرائيل في الوقت الحاضر وفي المستقبل أيضا، وأن يتركوا للإدارة الأميركية الحالية حرية وضع ''خريطة الطريق''· وحجتهم أن هذه الخريطة لا تختلف كثيرا عن قرار قمة بيروت في 28/3/2002 والذي ملخصه السلام الكامل والاعتراف والتطبيع الكاملان مقابل الانسحاب الشامل، وبذلك يتم تطبيق مبدأ ''الأرض مقابل السلام'' الذي نادت به الولايات المتحدة وجسدته أخيراً في مشروع ''خريطة الطريق''، وأرادت بذلك أن تكافئ بعض الدول العربية على مساهمتها في الحرب على الإرهاب·
لكن الوفود العربية سكتت عندما لم تنضم إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مخالفة بذلك جميع قرارات الأمم المتحدة - كما أنها سكتت حينما أعلن شارون أن القدس ''عاصمة موحدة وأبدية'' لإسرائيل وأنه يريد الاحتفاظ بمعظم المستعمرات في الضفة الغربية، ولا يريد عودة اللاجئين الفلسطينيين! وهذا يعني أن الإدارة الأميركية الحالية قد سمحت بما قاله شارون أمام الجمعية العامة، وأنها ليست جادة في إرساء السلام الدائم في الشرق الأوسط، وإنما سلام ناقص· فلا هي احتلته الاحتلال الكامل، كما فعلت في العراق، ولا هي خرجت منه منتصرة أو مهزومة·
وسيرى الأميركيون والإسرائيليون أنهم ارتكبوا خطأً كبيراً حينما دخلوا بلادنا، وسيكون أكثر فداحة إذا ما دخلوا أجزاء أخرى ومارسوا احتلالا آخر!