في خطوة وصفت من قبل المراقبين بأنها ثورية، وعُدت بمثابة انحياز رسمي إلى الإناث، قررت حكومة نيودلهي الشهر الماضي أن تعفي الأسر الهندية كليا أو جزئيا من رسوم التحاق فتياتها بالمدارس مع منحهن منحا دراسية في صورة مبالغ نقدية شهرية· وينص القرار الجريء وغير المسبوق على إعفاء الأسر الهندية التي لديها طفلة أنثى من كامل مصاريف التعليم في المستوى الثانوي الذي يشمل الصفوف الدراسية من السادس وحتى الثاني عشر، بغض النظر عن المستوى الاقتصادي للأسرة أو مكان إقامتها أو عدد أفرادها، مع منح الطفلة راتبا شهريا في حدود 800 روبية سواء أكانت تدرس في معاهد رسمية أو خاصة· وحين انتقالها إلى المستوى الجامعي تستمر المنحة المالية الشهرية مع ارتفاع قيمتها إلى 2000 روبية· أما الأسر التي لديها طفلتان فإنها تعفى فقط من نصف مصاريف التعليم في المستوى المذكور· وترمي الحكومة الهندية من وراء هذه الخطوة إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد· فالقرار يستهدف أولا الحد من ظاهرة مقلقة هي لجوء بعض الأسر ولاسيما الأمية منها أو تلك التي تعيش في الأرياف الفقيرة إلى وأد مواليدها الإناث أو قيام الأم بعمليات الإجهاض بحسب نوع الجنين، وذلك تخلصا من الأعباء المالية الكثيرة في المستقبل في ظل التقاليد والأعراف التي تفرض تحمل أسرة الفتاة وحدها لمصاريف زفافها من الألف إلى الياء، أو خشية من الاستغلال الجنسي للفتاة حينما تكبر·
وتشير الإحصائيات الخاصة بهذه الظاهرة إلى تزايد أعداد النساء الهنديات اللواتي يرتكبن جريمتي الوأد أو الإجهاض بحق أطفالهن الإناث، رغم وجود قوانين محلية تحرم مثل هذه الأعمال وتعاقب أصحابها، بل وجود قوانين تشدد على الأطباء بعدم التصريح للنساء الحوامل عن جنس الجنين مسبقا· ففي ولاية ''تاميل نادو''، على سبيل المثال، تعددت مثل هذه الحالات في السنوات الأخيرة وانتشرت من إقليمين إلى نحو 13 إقليما، إلى الحد الذي تبين معه أنه من بين كل ألف طفلة حديثة الولادة يتم وأد 16 منهن· ولم تفلح العقوبات التي فرضتها المحاكم على بعض الأمهات ومنها أحكام بالسجن المؤبد، في الحد كثيرا من الظاهرة· وتقول جمعيات حقوق الإنسان المستاءة من مثل هذه الأحكام إن مرتكبات هذه الأعمال لسن سوى ضحايا مثلهن مثل الأطفال والأجنة المقتولة بسبب الفقر وقلة الوعي والعادات البالية· كما تلقي هذه الجمعيات باللائمة على بعض الأطباء الذين يساعدون على ارتكاب هذه الجرائم سرا طمعا في الكسب المادي المضاعف أو الذين يخرقون القانون بإفصاحهم للأمهات الحوامل أثناء فحوصات ما قبل الولادة عن نوع الجنين·
الهدف الآخر للحكومة الهندية يتمثل في الحد من ظاهرة الاختلال في نسبة الذكور إلى الإناث ضمن التركيبة السكانية والتي ازدادت في الهند في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لما سبق ذكره من تفضيل الأسر للأطفال الذكور، إلى الحد الذي دفع أحد الباحثين إلى إطلاق تحذير للهند والصين معا من هذه الظاهرة وما قد يترتب عليها في المدى المتوسط من مشاكل اجتماعية وأمنية خطيرة وذلك في كتاب جديد تحت عنوان ''التبعات الأمنية للفائض السكاني من الذكور في آسيا''·
وطبقا لآخر إحصاء سكاني أجري في الهند في عام 2001 فإن معدل عدد الإناث إلى الذكور هو 900 إلى ،1000 غير أن هذه النسبة تتفاوت من ولاية إلى أخرى، وقد تزداد حدة كما في ولاية بيهار مثلا التي يوجد فيها 796 امرأة لكل ألف رجل، مما حدا بسكانها الذكور إلى البحث عن زوجات من خارج الولاية أو من بنغلاديش المجاورة، فيما شرعت السلطات والمنظمات المحلية في تقديم حوافز مالية للأمهات الفقيرات تشجيعا لهن على نبذ الوأد والإجهاض في حالة كون المولود أنثى·
إلى ما سبق ذكره تستهدف الحكومة من قرارها الحد من تسرب الأطفال من المدارس بسبب الفقر والحاجة التي تجبر الأسر على دفع أطفالها إلى سوق العمل بدلا من مقاعد الدرس· وتتضح الصورة أكثر حينما نعلم أن 20 بالمئة من أطفال الهند في المرحلة العمرية بين 6 و14 عاما، وجلهم من الإناث، لا يزالون خارج مقاعد الدراسة، وأن الفتيات يشكلن فقط نسبة 43 بالمئة من المنخرطين في التعليم الابتدائي ونسبة 39 بالمئة من الدارسين في المستوى الثانوي· هذا على الرغم من جهود الدولة المكثفة لنشر التعليم للجنسين والتي انخفضت معها نسبة الأمية من 48 بالمئة في عام 1991 إلى 35 بالمئة في عام 2001 ، ناهيك عن قرارها بإضافة نص إلى الدستور في عام 2003 يجعل من التعليم الابتدائي حقا أصيلا للأطفال وقيامها بوضع خطط تهدف إلى حصول كل أطفال البلاد مع نهاية عام 2010 على 8 سنوات من التعليم الأساسي الجيد على الأقل·
ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى القرار كنوع من السياسات الهادفة إلى تخفيف درجة الفقر، الأمر الذي يلتقي مع أجندة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة للألفية الجديدة حول محاربة الفقر في العالم· ذلك أن مكافأة بعض الأسر بإعفائها من المصاريف المدرسية ودفع منح نقدية لبناتها الدارسات، لا شك أنه سيزيح عن كاهلها جزءا من الأعباء المالية