رمضان من أحب شهور السنة إلى نفوس المؤمنين، حيث تعرج الأرواح إلى خالقها قائلة نحن أمة مؤمنة، في هذا الشهر تتغير الأخلاق، وتصفو النفوس، وتسعد الحياة لسعادة الناس التي ليس لها تفسير إلا أنها سعادة الإيمان والعودة إلى الله تعالى، حيث تتسابق جموع المؤمنين في التقرب إلى الله بالفرائض والإكثار من السنن· إنها فترة مباركة لابد من أن تستثمر بطريقة أفضل مما هي عليه اليوم· كلي تقدير وعرفان بالجميل لقائمة المحاضرات التي لا يكاد يخلو منها مسجد، وتغمرني السعادة دائماً وأنا أرى قاعات المحاضرات تغص بالمستمعين من الجنسين، ولكن لي وقفة، ليس فيها من العتاب شيء لكنها استراحة تفكر فيما نقدمه للناس خلال هذه الفترة· كلنا يعلم توجه الشباب من الجنسين إلى التدين، ومن يشك في الأمر فعليه بمراقبة آلاف البشر الذين يذهبون إلى العمرة في رمضان، كما عليه تفسير تسابق الناس وازدحامهم في المساجد، إذاً هناك توجه فطري للتدين لدى الناس في العالم العربي بشكل عام، فكيف نستثمر هذا التوجه؟
قبل الإجابة على ذلك السؤال دعوني أنقل لكم بعض العناوين التي ظهرت في الصحف مؤخرا لمحاضرات عامة بعضها للجنسين وأخرى للنساء فقط، ونبدأ بهذه فمن هذه المحاضرات: أحكام الغسل، فضل القرآن، تزكية النفس، ذكر الله، حياتي جديدة، مفاتيح الحياة الزوجية· وأما قائمة المحاضرات العامة فشملت: يا نفس أخلصي لتخلصي، فضل الطهارة والصلاة، الإعجاز في القرآن، تسبيح الكون، رمضان والعبادة··· إنها قائمة متميزة جدا من المحاضرات، يكلف بها علماء من داخل وخارج الدولة، وهي بلاشك مهمة للناس لكنها كما قال الإمام الغزالي رحمه الله، ''المواعظ كالسياط تؤلم في وقتها''، والسبب في ذلك هو الطرح العاطفي الذي يدغدغ النفوس وقد لا يرقى بها· آن لنا أن نخاطب العقل كي نرقى بالجيل القادم من الوقوع في المنزلقات التي وقع فيها البعض من حيث يدري ولا يدري·
كل الدول اليوم تعاني من أزمة في التدين اسمها الإرهاب، فمتى وكيف نعالج هذه الأزمة، لاشك أن التعامل معها بحاجة إلى مجهود كبير، لكن رمضان فرصة ذهبية للتحاور مع الشباب حول هذه المتغيرات· في تصوري أن الفقه أبوابه كتب فيها الكثير وبإمكاننا البحث عنها، لكننا بحاجة إلى علماء نثق بهم كي يتحدثوا حول قضايا ترتبط بالتطرف بل ربما كانت هي بعض جذوره مثل العلاقة بغير المسلم، التعددية الفكرية وقبول الآخر، الغرب والمسلمين، العقل عند المسلم، الفكر الإسلامي المعاصر، الغلو في الدين، منهج الخلاف والاختلاف، كيف تبني نفسك فكريا، كيف تكون مسلما عصريا، قضايا فقهية معاصرة، جدد فكرك يا مسلم، الوحي والعقل، الجماعات الإسلامية بين الإصلاح والفساد· ولو أردت أن أسرد قائمة بمثل هذه المحاضرات والمنتديات التي أجد أن الشباب بحاجة إليها لما وسعتني الصفحة، لكنني أقول إن مثل هذه اللقاءات لا تقل أهمية عن اللقاءات التي تتعامل مع العاطفة· الأمر الآخر المهم في هذه العناوين هو من سيتناولها، إن العلماء التقليديين ليست لديهم القدرة العقلية والفكرية على طرح هذه المسائل وهذا يفتح لنا باباً آخر شعاره دعونا ننفتح على العالم كي نجلب منه أفضل العلماء وأشهرهم في كل جانب ونتيح لهم فرصة الحوار مع الشباب· ولن أجاوز هذه الفقرة دون الثناء على محاضرة معالي الدكتور عصام البشير حول الخطاب الإسلامي وودت لو أن مثله عند المسلمين كثر· مع خالص شكري وتقديري لكل من يقف وراء استثمار رمضان كي يكون انطلاقة جديدة لنا جميعاً نحترم فيه عقولنا·