يبدأ الاحتفال بيوم الغفران قبيل غروب شمس اليوم التاسع من تشري، ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، أي نحو خمس وعشرين ساعة، يصوم اليهود خلالها ليلاً ونهاراً عن تناول الطعام والشراب والجماع الجنسي وارتداء أحذية جلدية، كما تنطبق تحريمات السبت أيضاً في ذلك اليوم، ولذا لا يقوم اليهودي بأي عمل آخر سوى التعبد· والصلوات التي تُقام في هذا العيد هي أطول الصلوات اليومية وتصل إلى خمس، وهي الصلوات الثلاث اليومية مضافاً إليها الصلاة الإضافية (مُوساف) وصلاة الختام (نعيَّلاه)، وتتم القراءة فيها كلها وقوفاً· وتبدأ الشعائر في المعبد مساءً بتلاوة دعاء ''كل النذور'' ويختتم الاحتفال في اليوم التالي بصلاة النعيلاه التي تعلن أن السماوات قد أغلقت أبوابها· ويهلل الجميع قائلين: ''العام القادم في القدس المبنية''، ثم يُنفخ في البوق (الشوفار) بعد ذلك·
وعبارة ''كل النذور'' ترجمة عربية للعبارة الآرامية ''كول نيدري''· وهو دعاء يهودي باللغة الآرامية تُفتتَح به كما أسلفنا صلاة العشاء في يوم الغفران· وهي أولى الصلوات، ويبدأ ترتيله قبل الغروب، ويستمر إلى أن تَغرُب الشمس· ويرتدي المصلون شال الصلاة (طاليت) الذي لا يتم ارتداؤه عادةً إلا في صلاة الصباح في الأيام العادية· وقد بدأت ممارسة هذه العادة منذ القرن الثامن، لكن مصدرها وأصلها غير معروفين· وقد عارضها بعض فقهاء العراق من اليهود في القرن التاسع، وأكدوا أنها عادة لا تُمارَس في بلادهم· ومع ذلك، فقد أصبح دعاء كل النذور الدعاء المفضل لدى اليهود، واكتسب قدسية خاصة، وهو عبارة عن إعلان إلغاء جميع النذور والعهود التي قطعها اليهود على أنفسهم، ولم يتمكنوا من الوفاء بها طوال السنة· وقد غيَّرها أحد الحاخامات ليجعلها تشير إلى العام المقبل، وهي الصيغة الشائعة بين الإشكناز· وتُتلى هذه الصلاة ثلاث مرات، حتى تتأكد دلالتها، وحتى يسمعها الجميع، وهكذا يتخلصون من عبء الشعور بالذنب، فيبدأون الاحتفال بأقدس يوم عندهم مرتاحي الضمير تماماً·
ومنطوق الدعاء هو:''نعبِّر عن ندمنا عن كل النذور والتحريمات والأيمان واللعنات التي نذرناها وأقسمنا بها ووعدنا بها والتي حلت ولم نفِ بها من يوم الغفران هذا حتى الذي يليه، والذي ننتظر مقدمه السعيد، فلتكن كلها منسية، ونكنْ في حلٍّ منها، معفين منها، ملغاة ولا أثر لها، ولن تكون مُلزمة لنا ولا سلطة لها علينا· والنذور لن تُعَدَّ نذوراً، والتحريمات لن تُعَدَّ تحريمات، ولن تُعدَّ الأيمان أيماناً''· وقد تَعرَّض اليهود للهجوم الشديد بسبب هذا الدعاء، فقيل إن أي وعد، أو أي قَسَم صادر عن يهودي، لا قيمة له ولا يمكن الوثوق به، وقيل أيضاً إن هذا الدعاء كان سلاح اليهود المتخفين الذين تظاهروا بالإسلام أو المسيحية، مثل الدونمه أو المارانو، وظلوا يهوداً في الخفاء· فكان دعاء ''كل النذور'' وسيلتهم في التحلل من كل العهود التي قطعوها على أنفسهم· وقد حاول الحاخامات جاهدين شرح المقصود بهذا الدعاء، فهو، حسب تفسير بعضهم، لا يُحل اليهودي من وعوده وتعهداته أمام الآخرين (فهذه لا تحلُّل منها إلا باتفاق الطرفين) وإنما هو يحله من وعوده للإله· وحينما كانت تتم مناقشة مسألة منح اليهود حقوقهم في روسيا وإعتاقهم، طُلب إلى اليهود إعداد مقدمة للدعاء بالعبرية يأتي فيها أن الوعود التي يُحَلّ منها هي الوعود التي قطعها اليهودي على نفسه تجاه نفسه وليس العهود التي قطعها على نفسه تجاه الآخرين·
وحتى تكتمل الصورة، لابد وأن أذكر الملاحظات التالية:
1- يجب أن نتذكر أنه بسبب عدم التجانس الحضاري بين أعضاء الجماعات اليهودية فإن كثيراً من الشعائر والعادات توجد في بلد ما ولا توجد في بلد آخر· وحينما تتناول المراجع الغربية أعياد اليهود وشعائرهم فإنها عادة ما تشير إلى يهود العالم الغربي (وغالبيتهم الساحقة من شرق أوروبا) وتهمل بقية يهود العالم الذين لهم شعائر وعادات مختلفة·
2- بعد هذا الحديث المطول عن الشعائر والطقوس التي يقوم بها اليهود في الأعياد، قد يتصور المرء أن أعضاء الجماعات اليهودية متمسكون بعقيدتهم، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة· فأكثر من نصف يهود العالم من العلمانيين الذين قد لا يعادون الدين ولكنهم لا يكترثون به· أما النصف الثاني فغالبيتهم يؤمنون بصيغ مخففة للغاية من اليهودية، فقدت علاقتها بالعقيدة اليهودية· وأتباع هذه المذاهب ينظرون إلى هذه الشعائر باعتبارها فلكلوراً، شيئاً طريفاً يمارسه الإنسان للترويح عن نفسه وللحفاظ على بقايا هويته المتآكلة· وحتى نقرب المسألة إلى عقولنا، يمكن القول إن هذا الموقف يشبه موقف إنسان يتصور أنه مسلم لأنه يحتفل برمضان لا بالصوم وإنما بإيقاد الفانوس وأكل الكنافة والقطائف·
3- الاحتفال بالعيد في الدولة الصهيونية يأخذ أشكالا ليس لها علاقة كبيرة بالشعائر الدينية المعروفة· ففي الثلاثينيات كان المستوطنون من الصهاينة العماليين (الاشتراكيين الملحدين) يقومون بمظاهرة أمام حائط المبكى (أقدس الأماكن عند اليهود) في يوم الغفر