بلغ حجم القروض الشخصية العام الماضي نحو 59,6 مليار درهم وبنسبة 24,1% من حجم الائتمان المصرفي الممنوح للقطاعات الاقتصادية كافة، الذي وصل إلى 247 مليار درهم مقارنة بنحو 197 مليار درهم عام 2003 وبنسبة زيادة 25,4%· إن المعادلة بين البنوك والعملاء لا تزال تشهد مزيداً من الاختلال· فالبنوك تزيد أرباحها عاماً بعد آخر وبمعدلات كبيرة، يتوقع أن تتراوح ما بين 80% إلى 100% هذا العام، والعملاء تزداد ديونهم من عام لآخر، وبالقدر نفسه· وبما أن نصف هذه القروض الشخصية تقريباً هي للأغراض الاستهلاكية، هناك دوماً من يتهم البنوك بتكريس الأنماط الاستهلاكية والمبالغة في الإنفاق، وتفتح الباب على مصراعيه أمام العملاء لاغتراف أموال تتجاوز قدراتهم على السداد· بل إن العديد من التجارب تثبت مسؤولية البنوك نسبياً عن البذخ والنمط الاستهلاكي· فالحملات الدعائية التي لا تهدأ والتسهيلات المغرية التي تقدّمها البنوك تلعب أدواراً مهمّة في استقطاب شرائح واسعة من المواطنين للاقتراض، خاصة ذوي الدخل المحدود، حيث نتج عن ذلك اعتماد الكثير من المواطنين على الاقتراض لتغطية العجز عن تلبية بعض متطلّبات معيشتهم رغم ضعف مداخيلهم، الأمر الذي استتبعه تراكم مخاطر المديونيات والعجز عن السداد·
وفيما تعتمد العديد من البنوك المحلية استراتيجية التوسّع المستمر في تقديم القروض الشخصية كأساس لعملها المصرفي، وذلك انطلاقاً من أهمية الدخل الذي تحققه هذه القروض مقارنة بالأنواع الأخرى للإقراض، هناك إحصاءات تقول إن إنفاق الفرد في دولة الإمارات على شراء المواد الاستهلاكية يبلغ نحو 27 دولاراً يومياً، في حين يبلغ متوسط الإنفاق اليومي في بقية الدول العربية نحو 3,5 دولار· بل إن هذه الفجوة مرشحة للاتساع، ما دام العديد من البنوك المحلية تعمل على تكريس الأنماط الاستهلاكية والمبالغة في الإنفاق، وتتنافس على استقطاب أكبر قدر ممكن من العملاء للحصول على القروض الشخصية وذلك من خلال أساليب مبتكرة لم تعد تقتصر على إعطاء أقل سعر ممكن للفائدة على هذه القروض، أو تقديم تسهيلات منافسة في السداد· صحيح أن هناك ارتفاعاً في معدلات التضخّم، وأن هناك قطاعاً عريضاً من المجتمع يعاني ارتفاع الأسعار، ولكن الواقع يؤكد أن هناك حلقة تربط بين حجم القروض الشخصية المقدّمة للمواطنين من جهة، وتفاقم حجم الإنفاق الاستهلاكي من جهة ثانية، ومشكلات غلاء المعيشة من جهة ثالثة·
إن أثر القروض الشخصية لا تقتصر تداعياته على الفرد والأسرة والمجتمع فحسب بل لها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد القومي تتجسّد في تفشّي النزعة الاستهلاكية في المجتمع على حساب الجانب الإنتاجي، خاصة أن غالبية السلع المستهلكة في المجتمع هي سلع أجنبية إذ ينعكس هذا على الطلب على هذه السلع، ثم على الميزان التجاري للدولة، وبهذا المفهوم فإن استشراء النزعة الاستهلاكية لدى أفراد المجتمع يفاقم من تدفّق السيولة النقدية من السوق المحلية إلى الأسواق العالمية، بينما تتحوّل المؤسسات الاقتصادية المحلية إلى مؤسسات مستوردة لسلع استهلاكية تعزّز هذه النزعة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae