في الأدب الغزير والجدال العلمي عن أثر التدخل في الأزمات الدولية، هناك شبه إجماع على نقطة أساسية: أهمية اختيار التوقيت المناسب· فماذا عما تفعله الجامعة العربية في العراق حالياً؟
بالرغم من التشتت العربي في السياسات كما في الأفكار، فهناك اتفاق عام على عنصر رئيسي: أزمة الجامعة العربية· ويشمل هذا الاتفاق العام حتى موظفي الجامعة أنفسهم الذين يرون التدهور المستمر، ومع ذلك يشعرون بعدم المقدرة على إيقافه، وكما قال لي بعضهم فإنهم يترددون الآن في قراءة الصحف والمجلات العربية التي لا تتكلم إلا عن سلبيات الجامعة·
في جو أزمة الجامعة هذه يتم استدعاؤها للمساعدة في مواجهة أزمة بل أزمات العراق، ويبدو أن جهاز الجامعة كان منقسماً بالنسبة لقبول هذه الدعوة ذات المخاطر، ويبدو أيضاً أن المعارضين فقدوا الجولة الأولى، سواء بسبب الضغوط والإغراءات الخارجية، أو بسبب الأمل في أن هذه الخطوة قد تخرج الجامعة من جو الإهمال الذي يحيط بها، وأن تصبح فاعلاً في الأحداث التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط· فالجامعة أهم منظمة إقليمية على الساحة العربية، كما أن وراءها تاريخاً طويلاً في المنطقة حيث وجدت قبل أن توجد الأمم المتحدة نفسها منذ ستين عاماً· لكن الوضع في العراق يخرج من أزمة إلى أخرى، ولذلك لا يجب ترك شعب العراق وحيداً في مواجهة هذا الوضع المؤلم، وبالتالي فالفرصة سانحة أمام ''بيت العرب'' لتخفيف الوطأة عن شعب عربي مهم ومؤثر· ثم إن الفرصة سانحة أيضاً لأن الولايات المتحدة - وهي الفاعل المؤثر في هذه الأزمة- بدأت تشعر بأهمية إشراك فاعلين آخرين في تقرير وضع العراق، وعلى الجامعة اغتنام هذه الفرصة التي قد تكون بداية الطريق للتعامل مع الدولة الأعظم والتي لا يمكن تقرير مصير المنطقة بأسرها دون التعامل إن لم يكن التنسيق معها·
هناك إذن، في الظاهر على الأقل، ثلاثة أسباب لاغتنام هذه الفرصة السانحة: وضع الجامعة وتاريخها كمنظمة إقليمية أساسية، شعب العراق وأزمته، الحالة المزاجية في واشنطن واستعداد الولايات المتحدة لدبلوماسية جديدة متعددة الأطراف بدلاً من الانفرادية التي يعاني منها الجميع·
إلا أن هذا التحليل قد يكون ناقصاً بل مضللاً إذا اقتصر على تحليل الموقف الحالي لقرار الجامعة، ولذلك من أجل الجامعة نفسها، وكذلك من أجل شعب العراق، ومن أجل دبلوماسية متعددة الأطراف حقيقية، يجب أيضاً تحليل مخاطر دخول الجامعة الأزمة العراقية مباشرة وفي الوقت الحالي·
وفي الواقع فإن الجامعة لا تعرف بدقة أطراف الصراع في الأزمة العراقية الحالية معرفة دقيقة، ولا تعرف أهدافهم الحقيقية ونواياهم ومقدراتها في إدارة هذا الصراع· أي أن الجامعة ينقصها عامل مهم لكي يكون تدخلها فاعلاً ومؤثراً: غياب المعلومة الدقيقة· بدون هذه المعلومة الدقيقة لا يستطيع جهاز الجامعة أن يقرر ما إذا كانت المرحلة الحالية مرحلة مواتية للتدخل، أم أنه يستحسن الانتظار حتى فرصة أخرى كي يكون أطراف الصراع أيضاً على استعداد للتنازلات اللازمة للوصول إلى اتفاق أو حل وسط؟
أما فيما يتعلق بمقاومة الانفرادية السياسية الحالية في واشنطن وتشجيع الدبلوماسية متعددة الأطراف على المستويين الإقليمي والعالمي، فهذا هدف يستحق الدفاع عنه ومهمة يجب القيام بها· ولكن مناقشاتي مع بعض الزملاء في واشنطن تبين أن الحالة المزاجية للنخبة الحاكمة هناك لم تتغير من الناحية الاستراتيجية بل من الناحية التكتيكية فقط، أي أن واشنطن لا تزال تُصر على أنها الفاعل الرئيسي في تقرير مصير الأزمة في العراق وأنها سيدة القرار هناك، وأن الآخرين ما هم إلا ''كومبارس'' لتجميل الشكل العام·
في هذا السياق قد يكون القرار المناسب لجامعة الدول العربية هو الاقتصار على زيارة وفد من موظفيها لجمع المعلومات وتقديم تقرير عن الحالة الحقيقية في العراق، وألا يذهب أمين عام الجامعة بنفسه حالياً حتى لا يضعف هيبته أكثر فأكثر، وبالتالي يزيد من أزمة المنظمة!·