في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلدان الأوروبية والضربات التي تلقتها من أفراد يحملون جنسيتها، وإن كانوا ينتمون إلى الإسلام، هناك من يدرك حقيقة إسلامه في هذه المجتمعات ولا يعتبر دينه عائقاً لعدم الانخراط في جزئيات هذه البيئة التي ينظر إليها بعض المتزمتين من القاطنين في المهجر بأنها رجس، لا يرى إلا جانب الشر مهما كان الخير هناك متسع لاحتوائه وغيره من شتى بقاع العالم· فالإسلام ظُلِم من أهله وليس في مبادئه لأنها مظلة للإنسانية وقادرة بمضامينها على التعامل مع كل الناس·
ومما يهتم به بعض المسلمين هناك ويكثرون السؤال حوله، الأمور العبادية التي لا مفر للمسلم من الالتزام بها وعلى رأسها الصلاة· سئل أحد المسلمين الآسيويين في بريطانيا إذا حان وقت الصلاة فأين تصلي؟ فرد قائلا: أنا المسجد والساجد! فاستغرب من الجواب المختصر· إن هذا الاقتضاب يحوي في طياته جملة عظيمة من المعاني تنم حقيقة عن الفهم السليم للإسلام· فهنا أثبت هذا المسلم البريطاني أن الساجد أهم من المسجد أي بمعنى آخر أن الإنسان أهم من المكان، فالإسلام كله جاء للحفاظ أولا على الإنسان لأنه منبع كل حركة في هذا الكون نحو العمران بعيداً عن الدمار الذي يتفنن فيه بعض المحسوبين على الإسلام·
ما الفائدة من وجود مسجد مهجور في أي مكان؟ فيكمل حديثه بأنه أينما كان خر راكعاً وساجداً ثم أناب، فليس بالضرورة وجود مكان مخصص للصلاة أو العبادة في الدول الأوروبية، فقاعة المحاضرات في الجامعات أو ركن من أركان دور الترفيه يؤدي الغرض· فالمهم أن يطبق ما ورد في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام (جُعلتْ ليَ الأرضُ مسجداً وطهوراً)·
إن وضع المسلمين والإسلام في الغرب تعرض للحسد والشماتة في آنٍ واحد، فالحسد لما كان عليه من حرية القول والعمل والحركة والأمن المعيشي، والشماتة من الذين يتربصون بهم ويريدون لهم السوء· فالكثير من الحكمة والعقلانية غدا من المهم بمكان من أجل عودة مياه الإسلام في الغرب إلى مجاريها· فنهر الإسلام يجب أن يستمر بالتدفق في كل المجتمعات الغربية، وينبغي التخلص من كل هذه الحجارة التي تحاول وقف هذا الخير عن البشرية، وليس شرطاً أن يكون الهدف هو دخول هؤلاء إلى هذا الدين بقدر معرفتهم الرشيدة والواعية بأهمية هذا الإسلام للناس كافة· وليس شرطاً كذلك أن يكون المسلم هناك بما يحمل من قيم وآراء نابعة من تمسكه بإسلامه هو الحق المحض أو الحق الخالص مقابل الباطل، لأن ما بين الحق والباطل درجات تسع الناس كلها قبل أن يصلوا إلى نقطة المفاصلة·
فالمثالية ليست في النظر إلى الخلائق بتعالٍ من قبل المسلمين وإنما الواقعية في تحقيق المثال هي الأسلم لتعايش المسلمين مع البشر قاطبة، ومن يستطيع تحقيق هذا السلوك والتفاعل مع الآخرين على هذا الأساس فإنه لن يقع في آثام التطرف والتزمت في غير موضعه·
ففهم الإسلام في الغرب على أساس أن ''الساجد يمكن أن يكون مسجداً'' في أي مكان وأي زمان هو الذي يطمئن الآخرين بإمكانية التلاقي بدل التصارع سواء في الأفكار المجردة أو الأفعال قبل أن تصل إلى درجة التجريم وهو ما أودى بحياة الأبرياء سواء حدث ذلك في ديار الغرب أو الشرق فالنتيجة واحدة مبنية على سوء الأفهام وسقم في القلوب والنفوس لا يمكن الشفاء منه إلا بالإسلام الصافي البعيد عن تشويش المغالين والمتعنتين الذين يجرون البرآء إلى ساحات المحاكم ظلماً وعدواناً·