قبل عامين، تدهورت الحالة الصحية للسيد ''إيان روزنبرج'' بسبب فشل قلبه، إلى درجة أن الأطباء أخبروه أنه لم يتبقَّ إلا بضعة شهور، قبل أن يتوقف قلبه عن النبض، وأن توافيه حتماً المنية· وأمام هذا المصير المحتوم، قرر ''روزنبرج'' السفر إلى مدينة فرانكفورت بألمانيا، كي يخضع لنوع من العلاج الحديث المعتمد على الخلايا الجذعية· في هذا العلاج، الذي لا زال في الطور التجريبي، تم سحب خلايا جذعية من نخاع عظام الساق، ثم حقنها في قلب السيد ''روزنبرج''· والآن وبعد مرور عامين على تلقيه للعلاج، عبر ''روزنبرج'' بوضوح وإيجاز عن مدى نجاح الأسلوب العلاجي الجديد بقوله: ''خلال بضعة شهور، أصبح في استطاعتي القيام بنشاطات يومية، لم أكن أتخيل حتى في أحلامي أن أتمكن من القيام بها يوما ما· فالآن أستطيع أن أمشي بكل يسر وسهولة، وأن أصعد الدرج، وحتى لعب الجولف أصبح بإمكاني· لقد نجح العلاج باستخدام الخلايا الجذعية في أن يمنحني أعواماً من الحياة، لم أكن أعتقد أنني سأحياها أبدا''· وأمام هذا النجاح الباهر، وكتعبير عن العرفان، قرر ''روزنبرج'' إنشاء مؤسسة خيرية، أطلق عليها اسم ''مؤسسة خلايا القلب'' (Heart Cells Foundation)، هدفها المساعدة على توفير هذا الأسلوب العلاجي لأكبر عدد ممكن من المرضى في بريطانيا وحول العالم· وبالفعل، وفي بداية هذا الأسبوع، توجت جهود المتطوعين في مؤسسة خلايا القلب، ببدء دراسة علمية في اثنين من أكبر مستشفيات العاصمة البريطانية، للبحث في إمكانية استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من نخاع العظام، كوسيلة علاجية لإصلاح التلف الحادث في عضلة القلب· هذه الدراسة، التي تم تمويلها من مؤسسة خلايا القلب، ستجرى على سبعمائة مريض، وستقارن بين ثلاث مجموعات من المرضى، يمكن لكل منها أن يستفيد من هذا الأسلوب العلاجي الحديث· المجموعة الأولى، ستشمل ثلاثمائة شخص مرضى بهبوط أو فشل القلب، نتيجة إصابة سابقة بذبحة صدرية· أما المجموعة الثانية، فستشمل مائتي مريض مصابين بهبوط أو فشل القلب، نتيجة تهدل أو تمدد عضلة القلب .(Cardiomyopathy) أما المجموعة الثالثة فستشمل مائتي مريض أيضا، أصيبوا حديثا بذبحة صدرية وتلف في عضلة القلب· وفي المجموعات الثلاث، ستتم تجربة أسلوب معتمد على خلايا جذعية مأخوذة من عظام الحوض، تحقن لاحقاً في داخل الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب· أو أن يتم حقن عامل نمو، للمساعدة على تكاثر عدد الخلايا الجذعية في الجسم، والانتظار للتعرف على ما إذا كانت هذه الخلايا ستخرج من مكانها الأصلي في نخاع العظام، لتصل من نفسها عن طريق الدم إلى عضلة القلب، ومن ثم تقوم بإصلاح التلف الحادث فيها· هذا الأسلوب الأخير، إذا ما نجح، فسيوفر على المرضى مخاطر وتكاليف الإجراء الطبي اللازم لحقن الخلايا في داخل الشرايين التاجية مباشرة·
وتنتشر أمراض القلب والشرايين التاجية إلى حد كبير بين أفراد الجنس البشري، وخصوصا في الدول الصناعية، حيث تقتل أمراض القلب في بريطانيا مثلا شخصاً كل ثلاث دقائق· وفي الولايات المتحدة تتسبب أمراض الشرايين التاجية في الإصابة بمليون ونصف مليون ذبحة قلبية، في العام الواحد· وتشير الإحصائيات الأميركية، إلى أن ثلث الذين يتعرضون للذبحات القلبية يقضون نحبهم بسببها، ومن بين هؤلاء يموت 250 ألفاً قبل أن يصلوا حتى إلى المستشفيات لإسعافهم· ولكن إضافة إلى من يلقون حتفهم، كثيراً ما تترك الذبحة صدرية أثرها على القلب، في شكل ندبة أو موت جزء من عضلة القلب· هذا الجرح الغائر، يؤدي لاحقاً إلى ضعف في قدرة القلب على ضخ الدم، وينتج عنه هبوط أو فشل القلب في تأدية وظائفه· ورغم أنه يمكن للعقاقير الطبية أن تساعد مرضى هبوط القلب، إلا أن العلاج النهائي غالباً ما يكون في شكل زراعة قلب، أو عن طريق استخدام مضخة كهربائية أو قلب صناعي· ولكن للأسف هذه الاختيارات، كزراعة قلب جديد مثلا، تحمل معها قائمة من المشاكل والمخاطر الخاصة· ففي ظل الوضع الحالي الذي اشتد فيه الطلب على القلوب البشرية الصالحة للزراعة، وندر ما هو متوفر منها، أصبح على المرضى المحتاجين لتلك القلوب الانتظار لفترات طويلة، تتعدى الشهور والسنين أحياناً· ولكن بسبب الحالة بالغة السوء لقلوب هؤلاء المرضى، فكثيراً ما يلقون حتفهم قبل العثور على قلب مناسب· وحتى من يظلون منهم على قيد الحياة، تصل حالتهم الصحية إلى درجة من التدهور، يصبح معها من غير الممكن نقل القلب الجديد إليهم· وهذا الوضع المأساوي الذي غالباً ما يجد أصحاب القلوب شديدة المرض أنفسهم فيه، يؤمل أن تتمكن التقنيات الحديثة في مجال القلوب الصناعية من أن تخفف من وطأته إلى حد ما· ولكن حتى إن تطورت تقنيات الهندسة الطبية إلى درجة تجعل من القلوب الصناعية طويلة الاستخدام واقعاً طبياً عملياً، أو أن تصبح عمليات زراعة القلوب متوفرة لكل من فشل قلبه، سيظل اختيار إصلاح أعطاب القلب باستخدام الخلايا الجذعية الخاصة بالمريض، هو الحل الأسهل والأرخص والأكثر فاعلية، إن أصبح إجراء روتينياً يوما