لم تتح لي الفرصة لمعرفة مصطلح شعبي أميركي ''حثالة البيض'' أو ما يسمى بالإنجليزية ."white trash" ابنتي تقول لي إنك تجهل تعصب هذه الفئة التي لا تعترف بوجود شعوب أخرى غيرها، فهي فئة تتسم بدرجة عالية من الانغلاق· بحثت عن معنى المصطلح ووجدت أنه يرجع لعام 1880 ليصف فئة البيض الفقراء·
المصطلح ذو دلالات اجتماعية تميز هذه الفئة، منها الفوضى المعيشية واللامبالاة بالشأن العام وتدني القيم ومستوى الثقافة وارتفاع درجة التعصب ونسبة الجريمة وانتشار الرذيلة بينها· بالإضافة إلى عملها بمهن لا تتطلب مهارات أو تعليما، كالحراسة وقيادة الشاحنات وغيرها من أعمال متدنية·
تقول لي ابنتي إن احد أفراد الشرطة قال لها إنه غير قادر على نطق أسماء الملونين! أصيبت بالدهشة، فهي أمام رجل أمن من المفترض ألا يظهر أي إشارات عنصرية مخالفة للقانون· وتقول إن ما تعلمته في المدارس الأميركية يخالف ما عاشته من تجربة واقعية، حيث تعلمت المساواة والعدالة ونبذ العنصرية، فكيف لرجل الأمن أن يخالف مبادئ الدستور الأميركي! وترسم ابنتي صورتهم على أنهم عنصريون وجهلاء· طبعا خبرتها الشخصية كانت مؤلمة إلى درجة جعلتها تشعر بحالة قلق وصدمة نفسية· وأنا لا ألومها بقدر ما كنت أريد أن أؤكد لها أن تجاربنا الشخصية يجب ألا تدعونا للتعميم، فهناك شريحة واسعة في المجتمع الأميركي لا تؤيد هذا السلوك بل تتصدى لكثير من الممارسات العنصرية، وهذا ما يدعونا لأن نشعر بالارتياح·
اصطحبت ابنتي للمحكمة وكانت في حالة خوف من المجهول· وعند دخولنا القاعة وجدنا أن هناك 67 قضية على القاضية أن تنظرها· ولحسن الحظ قررت القاضية البدء بقضية الطالبتين الكويتيتين المتهمتين بحادث دهس· وتقدم والد المدهوس بطلب إعادة النظر بالإفراج عن المتهمتين مدعيا أن الإجراءات القانونية معيبة إلا أن القاضية ولحسن الحظ رفضت طلبه واعتبرت الإجراءات صحيحة· وعند خروجنا من قاعة المحكمة وإذا بكاميرات التلفزة تنتظرنا· وحاولت أن أبتعد بلا جدوى، وما كان أمامي إلا عدم التعليق والالتزام بما قاله لي المحامي بعدم الإفصاح بشيء· واندهشت من الملاحقة الإعلامية وخصوصا أن هناك حوادث دهس كثيرة مماثلة لا تحظى بنفس الاهتمام·
ولخص الصديق مأمون فندي الوضع قائلاً ''ابنتك عربية ومسلمة والإعلام يبحث عن أي حادث بطرف عربي، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت العرب في دائرة الاتهام''·
عندما تكون في زيارة غير مخططه تجد نفسك في حالة ضيق كبيرة حيث نمط حياتي قد تغير جذرياً، وما كان أمامي إلا البحث عن وسيلة لملْء الفراغ وتجنب الملل· فعثرت في مكتبة الجامعة على كتاب ''تأطير الإرهاب'' وجذبني عنوانه فقرأته· يقول الكاتب إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر مخيفة ولها أبعادها النفسية والاجتماعية على المجتمع الأميركي إلا أنه يؤكد أن وسائل الإعلام الأميركية لعبت دوراً لإثارة مشاعر الكراهية تجاه العرب والمسلمين وحتى الأميركان من أصول عربية أو مسلمة· ويضيف أن ما قامت به وسائل الإعلام زاد من حدة الكراهية وما كان علينا أن نتعامل مع الموضوع بطريقة عاطفية تباعد بيننا كأميركان والشعوب العربية المسلمة·
عندما انتهيت من قراءة الكتاب، قلت لابنتي إن هناك الكثير ممن يرفض مشاعر البغضاء وعليك أن تهتمي بالجوانب الايجابية وألا تكوني حبيسة لما هو سلبي، حيث إننا كبشر نملك القوة على الخروج من الأزمة إذا ما نظرنا لما ما هو ايجابي وتعلمنا من الأزمات التي تواجهنا، وإذا وضعنا أنفسنا حبيسي الهواجس فلن نملك القوة لمواجهة الموقف·