رمضان والتلفزيون موضوع ذو شجون مسلسلاته بحاجة إلى مشاهدة ودراسة وتحليل ونقد موضوعي، برامجه هي الأخرى بحاجة إلى مراجعة وتفنيد ومحطاته بحاجة إلى وعي وإدراك للخطاب الإعلامي·
مسلسلات رمضان وإبحارها في عوالم الخيانة والخديعة وانحدار القيم المقدمة للمشاهد سأفرد لها مساحات من البحث والتحليل والإشارات بعد متابعة ما يثير الغصة ويدفع المرء لابتلاع جرعات مضاعفة من أدوية الضغط وهي بالمناسبة مسلسلات لم تبتعد كثيرا في حلقاتها الأولى عن أطروحاتها التي أتحفتنا بها نكداً وغماً في شهر رمضان الماضي·
الكوميديا الساخرة إبداع إنساني ترك بصمات على مر التاريخ الإنساني وترك تراثا حقيقيا في الأدب والشعر والقصة والرواية والنكتة والأهزوجة·
أما الكوميديا الهابطة فقد احتلت شاشات رمضان منذ أعوام واحتلت ساعات المشاهدة بشكل قسري عندما أتاحت بعض الفضائيات العربية وخاصة الخليجية الفرصة لأنصاف المهرجين وبعض قرود السيرك لاغتيال فن الكوميديا وسرقة الابتسام لأغراض الإفساد والإضحاك في برامج ممجوجة كرهها المشاهد العادي البسيط لأنها كانت برامج خارجة على حدود الأدب واللياقة وبعيدة كل البعد عن فن التمثيل· ملتصقة في الذاكرة ولن تمحي أبدا تلك الكوميديا الرائعة التي قدمها مسلسل ''درب الزلق'' وغيره من المسرحيات والأفلام الرصينة ورغم مرور السنوات ستبقى هذه الكوميديا زادا للإضحاك الرصين ورسالة نفسية واجتماعية وأخلاقية وسيبقى ''درب الزلق'' وبعض مسرحيات عبدالحسين عبدالرضا وعادل إمام ومن قبلها روائع الإنتاج المسرحي والسينمائي ليوسف وهبي ومسرح نجيب الريحاني وآخرين كل هذه الأعمال وغيرها ستبقى صامدة بينما الكوميديا الهابطة تنزلق بانحدار شديد نحو الإسفاف والابتذال· لقد ابتلينا كمشاهدين بعدد لا يحصى من برامج الكاميرا الخفية وهي برامج مقلدة بفقر فكري وتقني وفني شديد من برامج غربية· لقد كانت موجة الكاميرات الخفية وجرعاتها ثقيلة على القلب والنفس مثيرة للشفقة في كثير من الأحيان، ومرد الشفقة يرتبط بأمرين، الأول تلك الملايين من الدولارات التي صرفت على فن هابط، وثانيهما رأفة بذلك المتلقي الذي استغفل وأخضع لعمليات تزييف وعي مدبرة من قبل بعض شركات الإنتاج التي وجدت في تلهف المحطات فرصة ذهبية لتقديم جرعات من السخرية بشكل فج·
مع المهرجين الذين أصبحوا ماركة مسجلة في كل رمضان تراجعت الكوميديا الحقة، كوميديا الموقف، وكوميديا الفكرة الناقدة، وغدت موجة التهريج لا تحتاج لأكثر من مهرج يمتلك مهارات النط والتجريح وتقليد الشخصيات·
ربما كانت فكرة برنامج ''صادوه'' فكرة مختلفة ومبتكرة وتقدم إضحاكا لا يخدش حياء وكبرياء المتلقي واستطاعت على مدى عامين أن تحقق حضورا مقبولا باعتبارها جرعة تحمل في طياتها وبين فقراتها بعضا من إضحاك ملتزم، ورغم الملاحظات التي يمكن التعليق عليها إلا أن أبطال ''صادوه'' في كل مراحله كانوا شباباً يمتلكون طاقات كوميدية وحرفية فنية تبشر بجيل جديد من صانعي الكوميديا في الخليج·
فنان كوميدي آخر كان يمكن أن يتحول إلى نجم من الطراز الأول ويحتل الخشبة والكاميرا وأفئدة المشاهدين نظراً لامتلاكه لطاقات ومهارات فنية رائعة ساهم في صقلها وتنميتها وقوفه أمام عمالقة الفن الكوميدي في الخليج وخاصة دولة الكويت، فقد حظي بشرف التتلمذ على يد وأمام المبدع الكبير ''أبو عدنان''، لقد منحه عبدالحسين عبدالرضا أغلى التوجيهات وفتح له أبواب الشهرة على مصراعيها ولكنه انزلق وبسرعة شديدة في وحل التهريج أو لنقلها بصراحة في وحل الهبوط· لقد أدركت محطات خليجية راهنت على نجومية هذا المهرج أنها وقعت في مأزق تردي المنتَج الفني الذي يقدمه وأن محاولاته للإضحاك عن طريق دغدغة المشاعر الرخيصة والاستهزاء بالشخصيات الفنية والعامة سيجلب لها النفور بدل أن يجلب لها المشاهد ويزيد من أرباحها الإعلانية· لقد أدركت أكثر من محطة خليجية أن هذا الإسفاف باسم الكوميديا ما هو إلا محاولة محكوم عليها بالفشل في ظل زيادة وعي الجمهور وقدرته على التفريق بين الكوميديا والتهريج المعتمد على شخصية فاقدة للحس والفكر الفني· الكوميديا فن راق يعتمد على الفكر والقدرة على النقد وليس التهريج السمج بإطلاق نكات باهتة أو السخرية بشكل فج ووقح· في حلقة من برنامج هذا المهرج السمج تم تقديم فقرة عن فن الغناء اليمني بطريقة ساخرة ومقززة· ولست في معرض الدفاع عن فن الغناء اليمني فهناك من هو أقدر مني على ذلك ولكن الحقيقة تقول إن فن الغناء اليمني كان ولا يزال هو الفن الأول في منطقة الخليج والجزيرة العربية وإن جذور الغناء في منطقتنا جاءت مع الرواد الأوائل الذين قدموا ومعهم آلاتهم وقصائد شعرهم وفنهم وأثروا كثيرا في فن الغناء الخليجي، وإن أغلب الألحان في الأغاني الخليجية قبل الطفرة النفطية إما أنها ألحان عدنية مسروقة أو صنعانية مبتسرة أو أنها وضعت على يد ملحنين من اليمن، وهذه حقيقة لا يمكن الجدال فيها ويعترف بها رواد ومريدو الفن الغنائي في دول الخليج ولا