يرتبط اسم دانة في تراثنا الخليجي بالغنى والجمال، فالدانة تتميز بكبر حجمها وجمالها، ويقال إن أكبر لؤلؤة تزين التاج البريطاني استوردت من الخليج في بداية القرن الماضي·
ومن التراث يقال أيضاً إن أحد الغاصة قرر الرجوع إلى السطح بعد أن جمع كمية من المحار لفلقها على سطح السفينة، وأثناء ارتفاعه عن قاع البحر علقت بلحيته محارة وبعد أن فلقها وجد بداخلها دانة، ولشدة فرحته أخفاها عن النوخذة وباعها بثمن كبير فيما بعد واستثمر المبلغ في التجارة وتحول مع مرور الوقت إلى أحد الأثرياء·
في أحد الأيام استثمر كامل ثروته في صفقة تجارية قادمة من الهند إلا أن عاصفة أغرقت السفينة، وبما أن البضائع نادراً ما يؤمن عليها في ذلك الوقت، فإنه خسر كل ثروته وعاد مرة أخرى للغوص، فأنشد هذا البيت الجميل والمعبر:
يوم أقبلت بشعرة تنقادي ويوم أدبرت سلاسل قطعت ما فادي·
شركة ''دانة للغاز'' التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام في الشهر الماضي تعتبر أكبر شركة تطرح للاكتتاب على مستوى مجلس التعاون الخليجي ولكافة المواطنين الخليجيين دون استثناء وبصورة متساوية، مما يعد توجهاً جديداً وجريئاً سيساهم دون شك في تشجيع شركات أخرى على اتباع نفس هذا النهج الذي ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على تكامل الأسواق الخليجية·
اكتتاب شركة دانة للغاز حل العديد من الألغاز وأزال الكثير من المخاوف الخاصة باندماج الأسواق الخليجية، وبالأخص اندماج أسواق المال وما يعنيه ذلك من انتقال رؤوس الأموال بحرية بين هذه الأسواق·
ورغم التهافت الكبير من داخل وخارج الدولة على عملية الاكتتاب وما صاحبها من سلبيات لا تذكر إذا ما قورنت بحجم الاكتتاب وبفترته الزمنية، فإن أسهم الشركة توزعت بنسب عادلة بين المكتتبين الخليجيين والأجانب، بحيث ظلت أغلبية الأسهم في أيدي المؤسسين من داخل الدولة·
ضمن الايجابيات أيضا، تأتي مسألة الحد من خروج مدخرات العاملين الأجانب، فإتاحة فرص استثمارية لهؤلاء العاملين تحافظ على وضع السيولة المحلية وتساهم في زيادة معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي·
أهمية دانة غاز تكمن في كونها من شركات النفط والغاز الخليجية القليلة التي يساهم القطاع الخاص في ملكيتها من خلال تحولها إلى شركة مساهمة، مما يستجيب والتوجه الخليجي الرسمي والرامي إلى منح القطاع الخاص دوراً أكبر في التنمية والسماح له بالاستثمار في المجالات النفطية على المدى البعيد، إذ يعني ذلك تحولا تنمويا وهيكلياً جذرياً في صناعة النفط الخليجية بشكل عام·
لقد اكتسبت أسواق الأوراق المالية في الدولة زخما كبيرا بعد السماح للأجانب بتملك حصة من أسهم الشركات المساهمة المحلية، فتجربة الأسواق المالية في العالم تؤكد أهمية تحرير هذه الأسواق من القيود التي تحد من حرية حركتها وتداولاتها· فأسواق المال العالمية في البلدان المتقدمة مفتوحة أمام كافة المستثمرين من أفراد وشركات محلية وأجنبية، حيث يكمن في ذلك أحد أهم أسباب نجاحها وتطورها، فكم شركة كانت على حافة الإفلاس وتم إنقاذها من خلال ضخ رؤوس أموال أجنبية·
بالتأكيد لكل سوق ظروفها وخصوصياتها، إلا أن الاقتصاديات الحديثة الناجحة، هي تلك المتميزة بالمرونة والاندماج في الاقتصاد العالمي، كما هو حال اقتصاد الإمارات الذي أحرز تقدماً ملحوظاً باتجاه المنافسة والجودة·
وإذا ما استمر هذا التوجه الرامي إلى وحدة الأسواق الخليجية وتكاملها من جهة والاندماج في الاقتصاد العالمي من جهة أخرى، فان تقدماً حقيقياً آخر ستحققه الإمارات في السنوات القليلة القادمة·
على كل حال تجربة اكتتاب دانة غاز تجربة تستحق الدراسة واستخلاص العبر، مع العمل على تعميقها وتفادي بعض السلبيات التنظيمية التي رافقتها·