''الإنترنت''، اختراع أميركي توصل إليه الناس بعد أن أطلقته وزارة الدفاع الأميركية، ثم ساعد فعلاً على تحويل الكون إلى قرية واحدة أصبح بالإمكان التواصل بين ساكنيها خلال بضع ثوانٍ، وانتشرت المواقع الإلكترونية المختلفة، ووصلت المعلومات والرسائل خلال ثوانٍ معدودات، وتطور اقتصاد العالم ومفاهيمه، وانهمرت المعلومات كالشلالات من كل حدب وصوب، وتمكن العالم من حماية البيئة من خلال المحافظة على الأشجار، إذ قلّت الحاجة إلى الورق· وظهرت الشركات الكونية من خلال التسوق عبر الإنترنت، وحصل خير عميم وسهولة اتصال بين البشر والمؤسسات، وأصبح عصر العولمة حقيقة في متناول اليد· ولكن لكل خير شراً كما يقال، فظهرت المواقع الإباحية، وظهرت النزعة الشريرة للإنسان كما هي العادة، وحيث إننا نتعامل مع الفضاء الكوني، فإن الوقت لا يزال مبكراً على صياغة القوانين اللازمة لضبط كل ما ينشر في الإنترنت، خاصة فيما يتصل برسائل التهديد والمقالات التي تتضمن شتماً وقذفاً وتعريضاً بالآخرين، أو التلاعب بالصور للشخصيات المشهورة بحيث تظهرها بصورة معيبة أو غير محتشمة مما نشاهده في كثير من المواقع، وقد أدى هذا الأسلوب غير السوي إلى إيذاء الكثير من الناس·
المشكلة أن الكتابة أو الصورة في الإنترنت أكثر إيذاءً من الصحافة، حيث يتحكم جهاز التحرير بما ينشر، فتمنع الكلمات النابية أو التي تخدش الحياء، وكذلك الأمر مع الصور، أو قذف الأفراد لوجود العقوبات الرادعة على المستوى المحلي، وكذلك لسهولة مقاضاة الكاتب المحلي، لكن ما ينشر على الإنترنت في مختلف المواقع الإلكترونية أمره أكثر تعقيداً من جهات عدة:
- يستطيع أي كاتب أن يشتم من يريد وكما يريد، ثم يدعي أنه لا ذنب له، لأن ''الهاكرز'' دخلوا موقعه وأضافوا تلك الشتائم، وبذلك تتاح له فرصة كبيرة للإفلات بجريمته·
- عدم وجود قوانين وعقوبات محلية رادعة لمثل هذه الجرائم بسبب جهل كثير من القضاة بطبيعة النشر الإلكتروني، وفي غياب النصوص القانونية الواضحة يُفسر الشك لصالح المتهم وفقاً للقاعدة القانونية الشهيرة بهذا الصدد·
- خلافاً للصحيفة ذات العدد المحدود من القراء، فإن عدد متصفحي المواقع الإلكترونية يعدّون بالآلاف حول العالم·
- خلافاً للصحيفة التي تنتهي أخبارها ومقالاتها بعد يوم من نشرها، يظل الموقع الإلكتروني محتفظاً بالمقالات السيئة التي يمكن عرضها كل لحظة، بل وحفظها ونسخها وسرعة تداولها بين القراء، وفي هذا إتاحة مجال زمني أوسع من الصحيفة لاستمرار الإيذاء للشخص المعني·
- عدم اهتمام كثير من المواقع الإلكترونية بما ينشر ضد الآخرين خصوصاً إذا كانوا غير معروفين في بلد الموقع الإلكتروني ذاته·
وللأسف الشديد أن أعضاء التيار الديني المستخدمين للإنترنت قد استغلوا هذا الأسلوب في النشر للتشهير بخصومهم أو شتمهم، أو لإرسال رسائل التهديد لهم، بما يتنافى والأخلاق والدين· وقد سمعنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة أخذت مؤخراً في قبول الشكاوى قضائياً ضد أمثال هؤلاء الكتّاب السيئين الذين يستغلون وجود الموقع الإلكتروني خارج نطاق بلدهم ليفلتوا من العقوبات القانونية· وإذا صح هذا، فإن دولة الإمارات مشكورة لقيامها بذلك، ويفترض أن تعلن الدول العربية ذلك وأن تتخذ مثل هذا الموقف لئلا يفلت المجرم بجريمته دون عقاب·
لقد حان الوقت لوضع نصوص قانونية رادعة لكل من تسوِّل له نفسه إيذاء الآخرين عبر الإنترنت، ليس فقط لضبط الأمور، بل ولكي يأمن الناس على أعراضهم وكرامتهم من المساس دون رادع من قانون·