فتحت أخيرا أبواب المفاوضات لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كما كان محددا في الثالث من الشهر الجاري بعدما ظلت موصدة في وجه الأتراك طيلة اثنتين وأربعين سنة من الانتظار الصعب· ولم يكن السماح لأنقرة بالدخول في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بالأمر المحسوم، حيث لم يتم الاتفاق على ذلك إلا في اللحظات الأخيرة، بعدما حاولت بعض الدول الحيلولة دون بدء المفاوضات، واقترحت على أنقرة نوعا من ''الشراكة المتميزة'' كسبيل لتعميق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لكن دون أن تصل إلى مرتبة الانضمام الكلي· غير أن هذه الشراكة المتميزة التي لا تحمل من الامتيازات سوى الاسم كانت أبعد ما يكون عن تحقيق الطموحات التركية، بل هدفها الأول هو حرمان أنقرة من العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي· بالإضافة إلى ذلك يتعين على الأتراك أن يتحلوا بالمزيد من الصبر قبل أن يتبوؤوا مقعدا لهم على طاولة النادي الأوروبي، هذا إذا كان فعلا سيسمح لهم بالانضمام يوما من الأيام· ولئن كان باب الاتحاد مازال موارباً أمام أنقرة، إلا أن النقاشات الأخيرة حول الترشيح التركي أظهرت من التحفظات أكثر مما أظهرت من الترحيب، فضلا عن تفوق الاعتبارات السياسية الداخلية عن الأولويات الأوروبية العامة·
ومجمل القول إن الطريق أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ليست مفروشة تماماً بالورود، بل تحفها الصعوبات والعراقيل من كل جانب· فتركيا التي يبلغ عدد سكانها حالياً 71 مليون نسمة ستصبح عما قريب البلد الأكبر من حيث السكان في القارة الأوروبية· كما أن الاقتصاد التركي مازال هو الأضعف بين الدول الأوروبية محتلا المرتبة 67 عالمياً، حيث لا يتعدى الدخل الفردي 3400 دولار في السنة مقارنة مع الدخل الفردي للمواطن الفرنسي الذي يصل إلى 30 ألف دولار· وعلاوة على ذلك مازال ينتظر تركيا تقديم المزيد من الضمانات في مجال الحريات العامة، واحترام حقوق الأقليات الإثنية·
وعلى صعيد آخر جاءت مفاوضات الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي في مرحلة دقيقة من البناء الأوروبي تميزت بفشل اتفاقية الدستور، وبروز الحاجة إلى مراجعة الذات وتأمل مسيرة الكيان الأوروبي في سياق أشمل· فالتصويت السلبي على الدستور الأوروبي من قبل الناخبين الفرنسيين والهولنديين، بالإضافة إلى التحفظات الأخرى التي كانت ستبرز في حال قيام دول أوروبية أخرى بالتصويت على الدستور كشفت عن تخوف المواطنين الأوروبيين من فقدانهم لامتيازاتهم الاجتماعية، فضلا عن تخوف شرائح واسعة من الجمهور من التضخم المتسارع في أعضاء الاتحاد الأوروبي، والقلق من خروج ذلك التوسع عن السيطرة· فأوروبا التي لم يكن يصل عدد أعضائها 12 في نهاية 1994 أصبحت تضم الآن أكثر من 25 عضوا، وهو ما يعتبره البعض خطوات أسرع مما يجب في المسيرة الأوروبية تم خلالها تركيز الاهتمام على توسعة الاتحاد على حساب تعميق التعاون بين أعضائه، ما أدى إلى استياء الشعوب الأوروبية التي باتت تنظر بعين الريبة والشك لهذا التوسع الكاسح· ولاشك في أن الموكب الذي يغص بالركاب يتقدم ببطء أكبر وسرعة أقل·
غير أن مفاوضات الانضمام لا تعني التحاق تركيا تلقائياً بالاتحاد الأوروبي، بل جاءت المفاوضات أساساً للتأكد من مدى تلبية أنقرة للشروط والمعايير التي تؤهلها لعضوية الاتحاد والحصول على مقعدها جنباً إلى جنب مع باقي الأعضاء· ويجدر التذكير هنا أنه بين بدء المفاوضات والتوقيع على صك الانضمام هناك سنوات مديدة، وطريق شاقة تنتظر تركيا قد لا تتضح معالمها قبل مرور 15 سنة· لكن مع ذلك هناك فرق بين أن نطالب تركيا بالالتزام الصارم بشروط الانضمام التي وضعها الاتحاد الأوروبي والمطبقة على سائر الأعضاء، وبين أن نوصد الأبواب في وجهها منذ البداية، ورفض انضمامها متجاهلين الجهود التي تبذلها في هذا الاتجاه· وتشمل الشروط والمعايير التي حددت في قمة كوبنهاجن سنة 1993 أموراً سياسية مثل إقامة مؤسسات ديمقراطية تنعم بالاستقرار، فضلا عن احترام حقوق الإنسان والأقليات· ثم هناك المعايير الاقتصادية كاعتماد اقتصاد السوق، وتحرير التجارة بين أعضاء الاتحاد، ثم القدرة على دعم المنافسة الأوروبية مع القبول بالقواعد الموجودة سلفاً داخل أوروبا· وبالتأكيد لن تستطيع تركيا أن تأخذ مقعدها داخل الاتحاد الأوروبي إلا إذا التزمت بتلك المعايير وتقيدت بكافة الشروط· غير أن المعارضين للانضمام الأوروبي لا يعدمون الحجج والذرائع التي يسوقونها في وجه أنقرة، رغم ابتعادها عن الصواب· فمن ناحية يلوح المعارضون بالمسألة الديموغرافية محذرين من أن تركيا ستتحول إلى الدولة الأكبر من حيث السكان في الاتحاد، بيد أنهم ينسون أو يتناسون أن أنقرة دشنت منذ مدة تحولها الديموغرافي، بحيث سيصبح معدل الولادات لديها متقارباً مع المعدل الأوروبي، بالإضافة إلى أن أوروبا ستحتاج إلى المزيد من الأيدي العاملة لإدارة عجلة اقتصادها· وعلى ذكر الاقتصاد الذي غالباً ما يتحجج به المعارضون فقد استطاعت أنقرة أن تحقق أكبر معدل نمو في المنط