يحتل سرطان عنق الرحم المركز الثاني -بعد سرطان الثدي- على قائمة الأمراض السرطانية الأكثر انتشاراً بين النساء، والمرتبة الثالثة بعد سرطان الثدي وسرطان الرئة، على قائمة أكثر الأمراض السرطانية فتكا بالنساء· حيث تشير التقديرات الدولية، إلى أن سرطان عنق الرحم يقتل أكثر من ربع مليون امرأة سنوياً· وهو ما يعني إجمالاً، أن سرطان عنق الرحم، يشكل إحدى أكبر المخاطر الصحية التي تواجه النساء حالياً، بسبب معدلات انتشاره المرتفعة، وبسبب حجم الوفيات الناتجة عنه· والملاحظ أن معدلات الانتشار تلك، والوفيات المصاحبة لها، شهدت تزايداً ملحوظاً في العقود القليلة الماضية· ففي بريطانيا مثلا، تضاعفت الوفيات من جراء الإصابة بسرطان عنق الرحم ثلاثة أضعاف كاملة خلال عشرين عاماً فقط، بين منتصف عقد الستينيات ومنتصف عقد الثمانينيات· وهو ما دفع البعض إلى التكهن، بأنه لولا برامج الكشف المبكر، لكان سرطان عنق الرحم قد قتل قرابة الاثنين في المئة، من جميع النساء البريطانيات اللواتي ولدن منذ عقد الخمسينيات· ولكن ما هو السبب في هذه الزيادة الرهيبة لهذا المرض خلال العقود القليلة الماضية؟ إجابة هذا السؤال تقع ضمن نطاق الثورة الجنسية التي شهدها المجتمع الغربي منذ عقد الستينيات، بعد اكتشاف حبوب منع الحمل واستخدامها على نطاق واسع· وبدون الدخول في تفاصيل هذه المرحلة من التاريخ الاجتماعي للمجتمعات الغربية، يمكننا الجزم بأن التحرر الجنسي الذي بدأ في تلك الفترة، ترافق بزيادة مقارنة في الأمراض الجنسية، مثل سرطان عنق الرحم·
هذه العبارة الأخيرة التي تربط بين الأمراض الجنسية وبين سرطان عنق الرحم، تشكل جوهر هذا المرض، وتعبر عن الصفة التي تميزه إلى حد ما عن بقية الأمراض السرطانية الأخرى· فمنذ بدايات القرن العشرين، لاحظ علماء الإحصاء الطبي، صفات مميزة لسرطان عنق الرحم، جعلتهم يربطون بينه وبين الاتصال الجنسي· فمثلا، ينتشر هذا المرض بمعدلات مرتفعة جداً بين بائعات الهوى، بينما ينخفض بشكل واضح، وربما ينعدم تماماً، بين العذارى من الراهبات· ولذا حالياً، وحسب الجمعية الأميركية للسرطان، ينظر إلى سرطان عنق الرحم على أنه مرض ينتج من عدوى بفيروس، ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي· فغالبية النساء اللواتي يصبن بسرطان عنق الرحم، يجب أن يكنَّ قد أصبن سابقاً بفيروس الثآليل الجنسية ((HPV وإن كانت العدوى بهذا الفيروس، لا تعني الإصابة الحتمية بسرطان عنق الرحم· فالدراسات تشير إلى أن ثمانين في المئة من النساء في العالم الغربي، مصابات بفيروس (الآتش بي في)، ولكن في نفس الوقت لا تزيد حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم عن واحد في المئة بين الغربيات· ولا يتميز سرطان عنق الرحم بالكثير من الأعراض في مراحله الأولى، والتي إذا ما ظهرت فغالباً ما تكون على شكل نزيف بعد المعاشرة الجنسية، أو نزيف بين فترات الطمث الطبيعية، أو على شكل إفرازات مهبلية غير طبيعية· هذه الطبيعة الخفية إلى حد ما للمرض، وخصوصاً في مراحله الأولى، تجعل من الكشف الطبي الروتيني إجراء بالغ الأهمية للكشف عنه في مراحله المبكرة· ويتم الكشف الطبي الروتيني في هذه الحالة، من خلال ما يعرف بمسحة عنق الرحم· ويتم في هذا الإجراء الحصول على بعض الخلايا من عنق الرحم من خلال فرشاة خاصة، ليتم فحصها تحت المجهر· بغرض الكشف عن وجود أية تغيرات غير طبيعية في تلك الخلايا، وهي التغيرات التي يمكن أن تكون مقدمة لتحولها إلى خلايا سرطانية· وتختلف التوصيات الطبية من بلد إلى بلد، فيما يتعلق بالسن الذي يجب على النساء الخضوع فيه لمسحة عنق الرحم، وفيما يتعلق أيضاً بالفترة الزمنية التي يجب أن يكرر فيها الفحص· ولكن إذا ما كان سرطان عنق الرحم في أصله مرضاً جنسياً، فهل يمكن الوقاية منه، مثله في ذلك مثل بقية الأمراض الجنسية الأخرى؟ للأسف، الإجابة على هذا السؤال ليست قاطعة، أو واضحة بشكل كافٍ· ففي الكثير من الحالات لا تنجح العوازل الطبية (الواقي الطبي) في منع الإصابة بالفيروس، والذي ينتقل حينها من الرجل إلى المرأة أو العكس· ورغم أن البعض يؤمن بأن ختان الذكور، الممارس بين المسلمين واليهود، يؤدي إلى خفض واضح في احتمالات العدوى بهذا الفيروس، إلا أن آخرين يشككون في فعالية هذا الإجراء في منع العدوى به· ويحاول العلماء حالياً تطوير أساليب جديدة للوقاية من الإصابة بالفيروس، تعتمد على فكرة التطعيمات، شائعة الاستخدام ضد العديد من الأمراض الأخرى· فالمعروف طبياً، أن أفضل وسيلة للتعامل مع الأمراض الفيروسية، الجنسية منها وغير الجنسية، يجب أن تعتمد على الوقاية من الإصابة بها من الأساس، من خلال استخدام التطعيمات· وبالفعل، وفي بداية هذا الأسبوع، أعلن عن تطوير تطعيم جديد، بلغت كفاءته نسبة 100%، في الوقاية ضد الإصابة بسرطان عنق الرحم من جراء العدوى بأي من نوعي فيروس ''الآتش بي في''·
هذا التطعيم الذي أطلق عليه اسم ''جارداسيل'' ,(Gardasil) هو نتاج تحالف بين عملاقين في صناعة الدواء واللقاحات، هما شركتا ''سا