شهد يوم السبت، أول من أمس، وضع حجر الأساس لمدينة خليفة بجنوب قطاع غزة، في مكرمة سخية تأتي استمراراً للمكرمات الكثيرة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ورعاه، لصالح أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، وفي تعبير عما تكنه دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعباً من مشاعر محبة وأخوة وتضامن لإخوتها من أبناء هذا الشعب الصابر المكافح، الذي ما زال للأسف يعاني مُرَّ المعاناة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وجرائم الصهيونية المستديمة بحقه· وليست هذه المكرمة وحيدة من نوعها ولا جديدة على الإمارات وقيادتها الرشيدة، فقد كانت قيم العطاء والوفاء والسخاء والوقوف مع الأشقاء عند المُلمات هي محددات سياسة القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في علاقته بالفلسطينيين وجميع العرب والمسلمين·
دعم الفلسطينيين في معركتهم المصيرية اليوم يكون بالأفعال لا بالأقوال، وبتوفير فرص الحياة الكريمة، وبدعم إمكانية بقائهم متشبثين بأرضهم ووطنهم، والرفع من مستوى معيشتهم، وخلق فرص أمل جديدة في عيونهم بعد أن انسدت أمامهم آفاق، وأظلمت في دروب طريقهم الصعب مراحل، وضاقت بهم الأرض بما رحبت بفعل الاستيطان والتضييق وبؤس مخيمات اللجوء، وظلم ''المجتمع الدولي'' وعجز قراراته، وتعنت المحتل الغاصب، ووجوه أخرى كثيرة من صنوف المعاناة وتجارب الحياة المُرَّة·
إن التعاطي تجاه القضية الفلسطينية الآن يكون فقط بالاهتمام بالبعد الاقتصادي والإنساني المترتب عليها، بعد أن أصبح الاقتصاد هو لغة العصر، وهو العملة الوحيدة القابلة للصرف في التعامل الدولي اليوم، وخاصة أن تجاربنا العربية في التعاطي مع ''القضية'' وفي إدارة ''الصراع'' كانت فاشلة على طول الخط· فقد سمعنا خلال العقود الماضية الكثير من الجعجعة وسيلاً من الكلام ودفقاً من الوعود، ولكنَّ أحوال الفلسطينيين الصعبة لم تتغير· ورفعت أنظمة عربية عديدة شعار ''لا صوت يعلو فوق صوت المعركة''، وضرورات ''قضية العرب الأولى''· وأخذت أنظمة غيرها ''شرعيتها'' من التمسُّح بشعارات المواجهة، وضرورات ''المعركة''، وربطت أحزمة تلو أحزمة على بطون مواطنيها وكممت أفواههم وأعلنت حالات الطوارئ القصوى، ولاكت عبارات ''البيان رقم ''1 وكانت النتيجة ما بتنا نعرفه جميعاً، للأسف· نعم، لقد تقمَّص كثيرون دور المدافع الأول والأخير عن ''القضية''، وتاجر بها آخرون أيضاً، ولكن الأيام أثبتت أن كل تلك الحالات والتجارب المخفقة كانت بمثابة قميص عثمان، المرفوع على أسنَّة الرماح، تبريراً ومزايدة من دون طائل·
واليوم لم تعدْ هنالك معركة، ولا مَنْ يحزنون، ولا داعي للمزايدة، و''اختطاف'' القضية الفلسطينية سياسياً من أصحابها الشرعيين، والمتاجرة بها في بازار المواقف والعلاقات والتوازنات الدولية المعقدة، والعزف المنفرد على وترها للاستهلاك المحلي العربي سيئ الإخراج، أحياناً· فلنسهمْ كعرب في دعم الفلسطينيين، وذلك بفرض عدالة قضيتهم، وإقناع المجتمع الدولي، بكل الوسائل الممكنة، بتحمل مسؤولياته، وأولها إنفاذ قرارات الشرعية الدولية، بحذافيرها، دون استثناء أو انتقاء· وأثناء ذلك، لنعملْ بكل الوسائل الممكنة على تثبيت أصحاب الحق، وتخفيف المعاناة عنهم، والشد من أزرهم، لنثبت للعالم أننا أمة تبني وإن دمر وجرَّف الاحتلال، وتتمسك بالحق وإن حاول الغير طمس الحقائق وتزوير التاريخ· وأننا أمة تقيم معنى لقيم الخير والحياة والسلام والإعمار والازدهار، كما يرى العالم الآن أجمع ذلك متجسداً على أكمل وجه فيما تبنيه الأيادي البيضاء من بيوت ومستشفيات ومدارس وعمران وطرق ومظاهر حياة تنبت من جديد في بقايا هشيم غزة، دون جلبة، ودون ضجيج، وأيضاً دون ضغوط أو ممارسة ''وصاية'' على ''القضية'' أو تدخل في شؤون أهلها·