كثيراً ما نراجع كتب التاريخ التي تدرس في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة الأميركية) لمعرفة ما يأتي فيها عن العرب والمسلمين، وبخاصة في الولايات المتحدة نفسها· وقد ألف باحثان أميركيان كتابا عن العرب والمسلمين وهما دان لاندامان وهابيل دورد، وكلاهما أستاذان جامعيان، قالا في مقدمته إنه عن طريق التلفاز والكومبيوتر والإذاعة والصحف أصبح الناس في اتصال مباشر مع الأحداث كالإرهاب والأوضاع الاقتصادية في الصين أو أوروبا أو اليابان· وتبين هذه البرامج مدى اختلاف شعوب العالم عن بعضها البعض وتشير الى وجود آلاف اللغات والعقائد الدينية وكيف استطاع الزمن أن يطور هذه الشعوب· ويشرح المؤلفان في مقدمتهما أيضاً أن التأثير متبادل وليس من جانب واحد· وهذا يعني أن الولايات المتحدة كانت غير معروفة من قبل كثير من الشعوب، فإذا بها تتعامل معها بطريقة ما من الطرائق· والفرق كما يذكر المؤلفان أن هذه الشعوب تتعلم اللغة الانكليزية في مدارسها حتى تفهم الشعب الأميركي، وقد يتلقى أبناؤها دراساتهم العالية في الولايات المتحدة، بينما نجد أن الشعب الأميركي لا يعرف القليل أو الكثير عن هذه الشعوب· وهذا الاتجاه الانعزالي يوجد بطريقة واضحة في كتب التاريخ الأميركية، ويرى المؤلفان أنه يجب التخلص من الانحياز الأميركي في كتابة التاريخ لأن كتبه مصدر مهم لمعرفة تاريخ الشعوب· وكتب التاريخ شبه رسمية· إذ أنها تقص التاريخ كما تراه الدولة، فلا تحوي تاريخ البلد الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي فقط· وأقرب الأمثلة المعاصرة في الغرب هي ظاهرة العودة الى الفاشية والنازية· وقد ظهرت معالمها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، والمفارقة هي أن إسبانيا التي مرت بحرب أهلية مريرة لم تكن بعيدة عن هذا الصراع· وليس في بلدان الثقل الرأسمالي الليبرالي لمواجهة النازية والفاشية تدابير ضد تلك الظاهرة، حيث اضطرت القوى المعادية لليمين الرجعي الفاشي إلى تشكيل جبهة شعبية مشتركة لمواجهة خطر اليمين الفاشي والمهدِّد في الصميم لتقاليد الجمهورية الديمقراطية الفرنسية ذاتها· وكما حدث في معركة الرئاسة الفرنسية الأخيرة، فقد تضطر القوى التقدمية الفرنسية إلى إعادة تشكيل جبهة شعبية ضد خطر اليمين العنصري المتعاظم الذي تبدو معركته مع حظر الحجاب في المدارس الفرنسية الرسمية خطأ ضد الخصم الخطأ·
وبعد أحداث 11/9/2001 دخلت الولايات المتحدة في هيستريا وهواجس جعلت اليمين الفاشي الرجعي يقفز إلى مواقع مؤثرة في توجيه الإدارة الأميركية الحالية· ولكن تلك الأحداث لم تأت من فراغ، فقد أطلق صامويل هنتغتون صيحة ''صراع الحضارات''، وقبل تلك الأحداث نشرت عناصر اليمين ''بيانات'' تدعو إلى مواقف متشددة·
وإذا كان اليمين الأميركي قد قام بهذه ''المؤامرة'' القذرة، فإن جزءا منها قد مس المنطقتين العربية والإسلامية، فصعود اليمين المتشدد يمثل اليوم أبرز خطر يهدد الغرب الحديث، أي غرب العقلانية والعلم والليبرالية والاقتصاد الحر والانفتاح الفكري، وهي القيم التي ناضلت من أجلها قوى التقدم في الغرب منذ مطلع العصور الحديثة، فصار غرباً حديثاً مؤثراً في العالم كله·
وإذا كان إيمان مجتمعات الغرب الحديث بهذه القيم قد انحصرت تطبيقاتها داخل تلك المجتمعات ونظمها، فإنها لم تحل دون انتشار الاستعمار الغربي من جانب تلك النظم في بلدان العالم الثالث، بل إن خطر اليمين الرجعي في الغرب، بتطرفه الفاشستي تحت دعوى مناهضة العرب والمسلمين، يتهدد اليوم روح الغرب الحديث كما يتهدد غيره· ومن هنا تمردت كل من فرنسا وألمانيا، بمالهما من ثقل حضاري، على الحرب الأميركية في العراق، وهما بلدان ليبراليان في الأصل، وذلك حفاظاً على روح الغرب من شرور اليمين الأميركي·