منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر والتعليقات في أميركا منصبة حول العلاقة الوثيقة التي تربط الرئيس جورج بوش بالمحافظين الجدد، والإيمان الراسخ لهؤلاء بضرورة بناء سياسة خارجية قوية، ورفع ميزانية الدفاع، ثم مساندة الحرب في العراق· ويذكر أن العديد من المحافظين الجدد بدأوا مشوارهم السياسي كأعضاء في الحزب الديمقراطي، لكنهم تمردوا على حزبهم بسبب موقفه الضعيف من السياسة الدفاعية للولايات المتحدة، خصوصا أثناء حرب فيتنام· ومع ذلك فإن المحافظين الجدد مازالوا يتبنون مواقف ليبرالية تجاه بعض القضايا الاجتماعية مثل إصلاح القوانين المتعلقة بالهجرة، والتخطيط العائلي، والعديد من الحقوق الخاصة بالنساء والأقليات·
وقد استطاع الرئيس بوش أن يحصل طيلة فترة ولايته على دعم سهل وسريع من قبل قاعدته الانتخابية التي تضم في معظمها المحافظين التقليديين الذين وقفوا بجانبه لاعتقادهم أنه الأقدر على إعادة الاعتبار إلى القيم المحافظة· لذا كان أول ما قام به الرئيس بوش لتحقيق ذلك هو تعيينه قضاة في المحكمة العليا يتقاسمون النظرة الأيديولوجية ذاتها للمحافظين· ويذكر أن المحكمة العليا كانت على امتداد السنوات الماضية تمسك العصا من وسطها فيما يتعلق بالبت في بعض القضايا المثيرة للجدل بسبب التوازن النسبي بين أعضائها التسعة· وقد كان من المفترض أن تشكل وفات رئيس القضاة ويليام رينكويست وتقاعد القاضية ساندرا أوكنور فرصة ذهبية لبوش كي يعين قضاة يرجحون كفة المحافظين في المحكمة العليا ويعزز أجندتهم·
بيد أن خياراته لملء هذين المنصبين أثارت العديد من التساؤلات حول أجندة الرئيس الحقيقية· فبالنسبة لرئيس القضاة الجديد جون روبرتس الذي عينه بوش يصفه المراقبون على أنه محافظ معتدل أكثر منه متشدد· أما هارييت مييرز محامية البيت الأبيض التي عينها بوش محل القاضي أوكنور فبعيدة هي الأخرى عن المحافظين المتشددين· وليس غريبا أن يؤدي تعيينها في هذا المنصب إلى إثارة قلق المحافظين· وبالرغم من كفاءة السيدة مييرز وذكائها إلا أن منتقدي بوش يشتكون من أنها ليست محافظة بما يكفي· والتفسير الذي يطرحه المنتقدون هو أن بوش في مأزق سياسي ولا يرغب في فتح جبهة جديدة مع الديمقراطيين في الكونجرس حول الأسماء التي رشحها للمحكمة العليا· ولسوء حظ بوش لا تبدو تلك الشكوى الوحيدة التي يرفعها المحافظون ضده، إذ توجد مسألة حجم العجز الذي تعاني منه الموازنة الفيدرالية، ورفض بوش الحد من إنفاق الملايين على بعض البرامج الاجتماعية· وقد أغضب المحافظين التشريع الذي اقترحه بوش والقاضي بالعفو عن المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين فوق التراب الأميركي، وعدم قيامه بما يلزم لتشديد المراقبة على الحدود الأميركية لمنع تسلل المهاجرين· والأكثر من ذلك فإن هذه الخلافات مع الجمهوريين جاءت في وقت يزداد فيه استياء الشعب الأميركي من الحرب في العراق·
ومن جانب آخر، فقد أبان إعصارا كاترينا وريتا عن هشاشة المدن الأميركية والمناطق الساحلية في مواجهة الكوارث الطبيعية، فضلا عن الأموال الطائلة التي تتطلبها لإعادة تشييد البنى التحتية· وأمام هذا الطلب المتزايد على الإنفاق الحكومي يتساءل المحافظون من أين ستأتي الأموال؟ ولعل من بين الأمور التي تستدعي إنفاقا كبيرا ما يطلق عليها ''برامج الاستحقاقات'' مثل الضمان الاجتماعي والبرامج الصحية التي لا تسمح بأي تقليص في حجمها نظرا للإكراهات التي تطرحها شيخوخة السكان· وتبقى الموازنة الوحيدة التي يمكن تقليصها هي تلك الخاصة بالدفاع الوطني والتي تناهز 460 مليار دولار، لكن ذلك أمر بالغ الصعوبة في وقت يشهد حربا كونية على الإرهاب· وليس أمام بوش إزاء هذا الوضع سوى بديلين أحدهما أسوأ من الآخر، ويتمثل الأول في رفع الضرائب، وهو ما يشكل ضربة قاصمة لرئيس جمهوري، بينما يتمثل الثاني في اقتراض المزيد من الأموال الخارجية لتسديد الفواتير الأميركية· ومع أنه يفترض بالحزب الديمقراطي استغلال فقدان بوش لدعم الجمهوريين، إلا أنه هو أيضا ليس أحسن حالا بالنظر إلى المشاكل السياسية التي يعاني منها· لكن المشكلة الأهم هي ما بات الأميركيون يبدونه من قلق متزايد تجاه حالة الاتحاد·