الاتحاد الأوروبي
بعد ما ظلت عضوية الاتحاد الأوروبي أكبر حلم راود تركيا منذ نحو نصف قرن، ها هي تمهد بخطوة جديدة لالتحاقها بذلك الاتحاد القاري والتكتل الاقتصادي العملاق، حيث لم يتردد وزير خارجيتها عبد الله غول في القول إن بلاده دخلت ''عهداً جديداً من التاريخ'' مع موافقة وزراء خارجية الاتحاد يوم الثلاثاء الماضي على اتفاقية الإطار الخاصة بمفاوضات انضمام أنقرة، متجاوزين عقبات كانت آخرها الاعتراضات النمساوية وما أثارته من ردود أفعال ومشاعر إحباط قوية في تركيا· إلا أن القرار الأوروبي والإعلان عن بدء مفاوضات الانضمام في لوكسمبورغ أول أمس، قوبلا بفرحة وابتهاج عارمين من قبل الأتراك، فما الذي يجعل من عضوية الاتحاد الأوروبي حلماً ''تاريخياً'' لدولة كتركيا؟ وما هي القصة الكاملة لقيام ذلك الاتحاد وتطوره؟ وكيف تبدو مآلاته في آفاق المستقبل؟
يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر قوة اقتصادية في عالم اليوم، وهو منظمة دولية مهمة وفاعلة تشمل 25 بلداً أوروبياً، ويتميز بدرجة عالية من التطور الصناعي والرفاه الاقتصادي، ففيه يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي 17,3 ألف يورو، بينما لا يتجاوز مستوى البطالة نسبة 8,8%، كما يحقق فائضاً تجارياً يتجاوز 75 مليار دولار سنوياً، وهو ثالث أكبر تجمع سكاني في العالم بعد كل من الصين والهند إذ يضم 455 مليون نسمة· وللاتحاد الأوروبي نشاطات أهمها كونه سوقاً موحدة وذا عملة واحدة (اليورو) تبنت استخدامها حتى الآن 12 دولة عضواً، كما يتبع سياسة زراعية مشتركة وسياسة موحدة في مجال الصيد البحري، إضافة إلى الهجرة وحماية البيئة·
وقد تأسس الاتحاد الأوروبي بمقتضى ''اتفاقية ماستريخت'' الموقعة يوم السابع فبراير 1992 في هولندا، وهي الاتفاقية التي وضعت جدولا زمنياً للوحدة الاقتصادية والنقدية للاتحاد، وأقرت حزمة من السياسات في القضايا الاجتماعية مثل حقوق العمال والصحة وحماية المستهلك، إضافة إلى مجالات أخرى كالسياسة الخارجية والسياسة الأمنية والقضاء والمساعدات الإنمائية··· وبموجبها أتيح لمواطني الدول الأعضاء حق السفر والعمل بحرية داخل منطقة الاتحاد، كما ألغيت أيضا الحواجز الجمركية بين تلك الدول· وتم توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي في يناير 1995 بانضمام فنلندا والسويد والنمسا إليه ليصبح 15 بلداً· ثم هيأت اتفاقية امستردام في أكتوبر 1997 لتوسيعه مرة أخرى، حيث فتح الباب في ديسمبر 1999 أمام مفاوضات الانضمام لعضويته أمام عشر دول من أوروبا الشرقية، وهي الدول التي تم التصديق نهائياً على انضمامها في الأول من مايو 2004 في لحظة تاريخية مثلت ختام مرحلة من التغيير الهائل، ارتفع في نهايتها عدد أعضائه ليصبح 25 بلداً·
وإذا كان توسيع الاتحاد الأوروبي ليس عملا جديداً، فإن العديد من أفكاره أيضاً وجدت منذ خمسينيات القرن الماضي؛ فبعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، رأت ست دول أوروبية، هي فرنسا وألمانيا (الغربية) وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وإيطاليا، أن أفضل طريقة لمنع وقوع حرب مدمرة أخرى هي إنشاء إطار إقليمي للتعاون المشترك، فأسست ''المجموعة الأوروبية للفحم والصلب'' في أبريل ·1951 وبدافع النجاح الذي حققته المجموعة، قررت توسيع تعاونها ليضم مجالات أخرى، فوقعت ''اتفاقية روما'' في مارس 1957 والتي بموجبها تم تأسيس ''السوق الأوروبية المشتركة'' و''الرابطة الأوروبية الذرية''، لتندمج المنظمات الثلاث عام 1967 في إطار ''المجموعة الأوروبية'' التي أنشأت مفوضية أصبح مقرها الدائم في بروكسل، ومن هناك أخذ الاتحاد الأوروبي في توسيع عضويته، فانضمت إليه الدانمارك وبريطانيا وأيرلندا عام ،1973 ثم البرتغال وأسبانيا عام ،1986 كما انخرط في عملية متواصلة ومنظمة لبناء مؤسساته الإدارية والاقتصادية والمالية والرقابية، وعلى رأسها البرلمان الأوروبي (1979)، والبنك المركزي الأوروبي (1994)، ونواة الاتحاد النقدي (1999)، ولجنة السياسات والسياسة الأمنية والعسكرية (2000)، ولجنة مستقبل أوروبا (2001)·
ذلك هو الاتحاد الأوروبي الذي طالما طمحت تركيا إلى أن تصبح جزءاً منه، معتبرة أن في ذلك ما يفتح أمامها آفاقاً اقتصادية وسياسية واسعة، ويعزز مكانتها الإقليمية كدولة عضو في حلف شمال الأطلسي وفي المنظومة الأوروبية معاً· وقد أنجزت تركيا خطوتها الأخيرة في هذا الصدد، وهي الأهم من نوعها منذ عام ،1958 في عهد حكومة ''حزب العدالة والتنمية'' الإسلامي الذي قد يقترن ذكره، منذ الآن، في تاريخ تركيا بحلمها الأوروبي·
بيد أن واقع الاتحاد الأوروبي ليس هو الصورة الوردية التي ترسخت في أذهان الأتراك؛ فإحدى المشكلات التي يعاني منها وجود فجوة واسعة بين بلدانه، ففيما يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في ألمانيا 26,5 ألف يورو وفي لوكسمبورغ 48,3 ألف يورو، لا يتجاوز 12,6 ألف يورو في كل من البرتغال واليونان و5,29 ألف يورو في بولندا· وفي مقابل المعدلات المنخفضة للبطالة في أيرلندا والنمسا (4,2% و4,6% على التوالي)